للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِمَامَةِ بَلْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه لَا تُمَكَّنُ مِنْ تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا فَكَيْفَ تَصْلُحُ لِلنُّبُوَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ [الْأَنْبِيَاءِ: ٧] وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْبَابِ، وَأَيْضًا فَالْوَحْيُ قَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ لَا بِمَعْنَى النُّبُوَّةِ قَالَ تَعَالَى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النَّحْلِ: ٦٨] وَقَالَ: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ [الْمَائِدَةِ: ١١١] ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْوَحْيِ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُرَادُ رُؤْيَا رَأَتْهَا أَمُّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ تَأْوِيلُهَا وَضْعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التَّابُوتِ وَقَذْفَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَرُدُّهُ إِلَيْهَا.

وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُرَادَ عَزِيمَةٌ جَازِمَةٌ وَقَعَتْ فِي قَلْبِهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً فَكُلُّ مَنْ تَفَكَّرَ فِيمَا وَقَعَ إِلَيْهِ ظَهَرَ لَهُ الرَّأْيُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْخَلَاصِ وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْخَاطِرِ إِنَّهُ وَحْيٌ. وَثَالِثُهَا: الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِلْهَامُ لَكِنَّا/ مَتَى بَحَثْنَا عَنِ الْإِلْهَامِ كَانَ مَعْنَاهُ خُطُورَ رَأْيٍ بِالْبَالِ وَغَلَبَةٍ عَلَى الْقَلْبِ فَيَصِيرُ هَذَا هُوَ الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَهَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ يُعْتَرَضُ عَلَيْهَا بِأَنَّ الْإِلْقَاءَ فِي الْبَحْرِ قَرِيبٌ مِنَ الْإِهْلَاكِ وَهُوَ مُسَاوٍ لِلْخَوْفِ الْحَاصِلِ مِنَ الْقَتْلِ الْمُعْتَادِ مِنْ فِرْعَوْنَ فَكَيْفَ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِأَجْلِ الصِّيَانَةِ عَنِ الثَّانِي. وَالْجَوَابُ: لَعَلَّهَا عَرَفَتْ بِالِاسْتِقْرَاءِ صِدْقَ رُؤْيَاهَا فَكَانَ إِفْضَاءُ الْإِلْقَاءِ فِي الْبَحْرِ إِلَى السَّلَامَةِ أَغْلَبَ عَلَى ظَنِّهَا مِنْ وُقُوعِ الْوَلَدِ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ. وَرَابِعُهَا: لَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَشُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ النَّبِيَّ عَرَّفَهَا، إِمَّا مُشَافَهَةً أَوْ مُرَاسَلَةً، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا لَحِقَهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْخَوْفِ مَا لَحِقَهَا. وَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ الْخَوْفَ كَانَ مِنْ لَوَازِمِ الْبَشَرِيَّةِ كَمَا أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَخَافُ فِرْعَوْنَ مَعَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى كَانَ يَأْمُرُهُ بِالذَّهَابِ إِلَيْهِ مِرَارًا. وَخَامِسُهَا: لَعَلَّ الْأَنْبِيَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَخْبَرُوا بِذَلِكَ وَانْتَهَى ذَلِكَ الْخَبَرُ إِلَى تِلْكَ الْمَرْأَةِ.

وَسَادِسُهَا: لَعَلَّ اللَّه تَعَالَى بَعَثَ إِلَيْهَا مَلَكًا لَا عَلَى وَجْهِ النُّبُوَّةِ كَمَا بَعَثَ إِلَى مَرْيَمَ فِي قَوْلِهِ: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا

[مَرْيَمَ: ١٧] وَأَمَّا قَوْلُهُ: مَا يُوحى فَمَعْنَاهُ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يَجِبُ أَنْ يُوحَى وَإِنَّمَا وَجَبَ ذَلِكَ الْوَحْيُ لِأَنَّ الْوَاقِعَةَ وَاقِعَةٌ عَظِيمَةٌ وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا إِلَّا بِالْوَحْيِ فَكَانَ الْوَحْيُ وَاجِبًا أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنِ اقْذِفِيهِ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنْ هِيَ الْمُفَسِّرَةُ لِأَنَّ الْوَحْيَ بِمَعْنَى الْقَوْلِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْقَذْفُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْإِلْقَاءِ وَالْوَضْعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الْأَحْزَابِ: ٢٦] .

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

رُوِيَ أَنَّهَا اتَّخَذَتْ تَابُوتًا وَجَعَلَتْ فِيهِ قُطْنًا مَحْلُوجًا وَوَضَعَتْ فِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَيَّرَتْ رَأْسَهُ وَشُقُوقَهُ بِالْقَارِ ثُمَّ أَلْقَتْهُ فِي النِّيلِ وَكَانَ يَشْرَعُ مِنْهُ نَهْرٌ كَبِيرٌ فِي دَارِ فِرْعَوْنَ فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رَأْسِ الْبِرْكَةِ مَعَ امْرَأَتِهِ آسِيَةَ إِذْ بِتَابُوتٍ يَجِيءُ بِهِ الْمَاءُ فَلَمَّا رَآهُ فِرْعَوْنُ أَمَرَ الْغِلْمَانَ وَالْجَوَارِيَ بِإِخْرَاجِهِ فَأَخْرَجُوهُ وَفَتَحُوا رَأْسَهُ فَإِذَا صَبِيٌّ مِنْ أَصْبَحِ النَّاسِ وَجْهًا فَلَمَّا رَآهُ فِرْعَوْنُ أَحَبَّهُ

وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْقِصَّةِ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ الَّذِي صَنَعَ التَّابُوتَ حَزْقِيلُ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اليم هو البحر والمراد به هاهنا نِيلُ مِصْرَ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ وَالْيَمُّ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى النَّهْرِ الْعَظِيمِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ الْكِسَائِيُّ السَّاحِلُ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ يَسْحَلُهُ أَيْ يَقْذِفُهُ إلى أعلاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>