للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِيقَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُرَادَ أَلَمْ تُخْبَرْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ/ وَثَالِثُهَا: الْمُرَادُ أَلَمْ تَعْلَمْ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا إِلَّا أَنَّ كَوْنَ اللَّه مُنْزِلًا لَهُ مِنَ السَّمَاءِ غَيْرُ مَرْئِيٍّ إِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْعِلْمِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ هُوَ الْعِلْمُ، لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا الْعِلْمُ كَانَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ.

المسألة الثَّانِيَةُ: قُرِئَ مُخْضَرَّةً كَمَبْقَلَةٍ وَمَسْبَعَةٍ أَيْ ذَاتَ خُضْرَةٍ، وَهَاهُنَا سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ قَالَ: فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ وَلَمْ يَقُلْ فَأَصْبَحَتْ؟ الْجَوَابُ: لِنُكْتَةٍ فِيهِ وَهِيَ إِفَادَةُ بَقَاءِ أَثَرِ الْمَطَرِ زَمَانًا بَعْدَ زَمَانٍ، كَمَا تَقُولُ أنعم على فلان عام كذا فأروح وأغد شَاكِرًا لَهُ، وَلَوْ قُلْتَ فَرِحْتُ وَغَدَوْتُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الْمَوْقِعَ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ رُفِعَ وَلَمْ يُنْصَبْ جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ؟ وَالْجَوَابُ: لَوْ نُصِبَ لَأَعْطَى عَكْسَ مَا هُوَ الْغَرَضُ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ إِثْبَاتُ الِاخْضِرَارِ فَيَنْقَلِبُ بِالنَّصْبِ إِلَى نَفْيِ الِاخْضِرَارِ مِثَالُهُ أَنْ تَقُولَ لِصَاحِبِكَ أَلَمْ تَرَ أَنِّي أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ فَتَشْكُرُ. وَإِنْ نَصَبْتَهُ فَأَنْتَ نَافٍ لِشُكْرِهِ شَاكٍ لِتَفْرِيطِهِ، وَإِنْ رَفَعْتَهُ فَأَنْتَ مُثْبِتٌ لِلشُّكْرِ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: لِمَ أَوْرَدَ تَعَالَى ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِعَادَةِ، كَمَا قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ. الْجَوَابُ: يُحْتَمَلُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَبَّهَ بِهِ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَوَاسِعِ نِعَمِهِ.

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: مَا تَعَلُّقُ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ بِمَا تَقَدَّمَ؟ الْجَوَابُ: مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَرَادَ أَنَّهُ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ وَلِرَحْمَتِهِ فَعَلَ ذَلِكَ حَتَّى عَظُمَ انْتِفَاعُهُمْ بِهِ، لِأَنَّ الْأَرْضَ إِذَا أَصْبَحَتْ مُخْضَرَّةً وَالسَّمَاءَ إِذَا أَمْطَرَتْ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِعَيْشِ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا أَجْمَعَ. وَمَعْنَى خَبِيرٌ أَنَّهُ عَالِمٌ بِمَقَادِيرِ مَصَالِحِهِمْ فَيَفْعَلُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنْ دُونِ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ وَثَانِيهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَطِيفٌ بِأَرْزَاقِ عِبَادِهِ خَبِيرٌ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْقُنُوطِ وَثَالِثُهَا: قَالَ الْكَلْبِيُّ لَطِيفٌ فِي أَفْعَالِهِ خَبِيرٌ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ وَرَابِعُهَا: قَالَ مُقَاتِلٌ: لَطِيفٌ بِاسْتِخْرَاجِ النَّبْتِ خَبِيرٌ بِكَيْفِيَّةِ خَلْقِهِ.

الدَّلَالَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُنْقَادٌ لَهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَعَنْ حَمْدِ الْحَامِدِينَ أَيْضًا لِأَنَّهُ كَامِلٌ لِذَاتِهِ، وَالْكَامِلُ لِذَاتِهِ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا خَلَقَ الْحَيَوَانَ فَلَا بُدَّ فِي الْحِكْمَةِ مِنْ قَطْرٍ وَنَبَاتٍ فَخَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ رَحْمَةً لِلْحَيَوَانَاتِ وَإِنْعَامًا عَلَيْهِمْ، لَا لِحَاجَةٍ بِهِ إِلَى ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ إِنْعَامُهُ خَالِيًا عَنْ غَرَضٍ عَائِدٍ إِلَيْهِ فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ. فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنَّهُ لِكَوْنِهِ غَنِيًّا لَمْ يَفْعَلْ مَا فَعَلَهُ إِلَّا لِلْإِحْسَانِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَمِيدًا. فَلِهَذَا قَالَ: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.

الدَّلَالَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ أَيْ ذَلَّلَ لَكُمْ مَا فِيهَا فَلَا أَصْلَبَ مِنَ الْحَجَرِ وَلَا أَحَدَّ مِنَ الْحَدِيدِ وَلَا أَكْثَرَ هَيْبَةً مِنَ النَّارِ، وَقَدْ سَخَّرَهَا لَكُمْ وَسَخَّرَ الْحَيَوَانَاتِ أَيْضًا حَتَّى يُنْتَفَعَ بِهَا مِنْ حَيْثُ الْأَكْلِ وَالرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَالِانْتِفَاعِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، فَلَوْلَا أَنْ سَخَّرَ اللَّه/ تَعَالَى الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ مَعَ قُوَّتِهِمَا حَتَّى يُذَلِّلَهُمَا الضَّعِيفُ مِنَ النَّاسِ وَيَتَمَكَّنَ مِنْهُمَا لَمَا كَانَ ذَلِكَ نِعْمَةً.

الدَّلَالَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ، وَكَيْفِيَّةُ تَسْخِيرِهِ الْفُلْكَ هُوَ مِنْ حَيْثُ سَخَّرَ الْمَاءَ وَالرِّيَاحَ لِجَرْيِهَا، فَلَوْلَا صِفَتُهُمَا عَلَى مَا هُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>