للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثَّانِيَةُ: فِي الْمَنْسَكِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِيدً [ا] يَذْبَحُونَ فِيهِ وَثَانِيهَا: قربانا ولفظ المنسك مختص بالذبائح عن مجاهدو ثالثها: مَأْلَفًا يَأْلَفُونَهُ إِمَّا مَكَانًا مُعَيَّنًا أَوْ زَمَانًا مُعَيَّنًا لِأَدَاءِ الطَّاعَاتِ وَرَابِعُهَا:

الْمَنْسَكُ هُوَ الشَّرِيعَةُ وَالْمِنْهَاجُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَاخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [الْمَائِدَةِ: ٤٨] وَلِأَنَّ الْمَنْسَكَ مَأْخُوذٌ مِنَ النُّسُكِ وَهُوَ الْعِبَادَةُ، وَإِذَا وَقَعَ الِاسْمُ عَلَى كُلِّ عِبَادَةٍ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ. فَإِنْ قِيلَ هَلَّا حَمَلْتُمُوهُ عَلَى الذَّبْحِ، لِأَنَّ الْمَنْسَكَ فِي الْعُرْفِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا الذَّبْحُ؟ وَهَلَّا حَمَلْتُمُوهُ عَلَى مَوْضِعِ الْعِبَادَةِ أَوْ عَلَى وَقْتِهَا؟ الْجَوَابُ: عَنِ الْأَوَّلِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَنْسَكَ فِي الْعُرْفِ مَخْصُوصٌ بِالذَّبْحِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ سَائِرَ مَا يُفْعَلُ فِي الْحَجِّ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَنَاسِكُ وَلِأَجْلِهِ

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»

وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: هُمْ ناسِكُوهُ أَلْيَقُ بِالْعِبَادَةِ مِنْهُ بِالْوَقْتِ وَالْمَكَانِ.

المسألة الثَّالِثَةُ: زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: هُمْ ناسِكُوهُ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَمَسِّكًا بِشَرْعٍ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُرِيدَ كُلَّ مَنْ تَعَبَّدَ مِنَ الْأُمَمِ سَوَاءٌ بَقِيَتْ آثَارُهُمْ أَوْ لَمْ تَبْقَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: هُمْ ناسِكُوهُ كَالْوَصْفِ لِلْأُمَمِ وَإِنْ لَمْ يَعْبُدُوا فِي الْحَالِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ فقرىء فَلَا يَنْزِعُنَّكَ أَيِ اثْبُتْ فِي دِينِكَ ثَبَاتًا لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَخْدَعُوكَ لِيُزِيلُوكَ عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَلا يُنازِعُنَّكَ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ: أَنَّهُ نُهِيَ لَهُمْ عَنْ مُنَازَعَتِهِمْ، كَمَا تَقُولُ لَا يُضَارِبَنَّكَ فُلَانٌ أَيْ لَا تضاربا وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعَكَ وَتَرْكَ مُخَالَفَتِكَ، وَقَدِ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ الْآنَ عَلَى شَرْعِكَ وَعَلَى أَنَّهُ نَاسِخٌ لِكُلِّ/ مَا عَدَاهُ. فَكَأَنَّهُ تَعَالَى نَهَى كُلَّ أُمَّةٍ بَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيَّةٌ أَنْ تَسْتَمِرَّ عَلَى تِلْكَ الْعَادَةِ، وَأَلْزَمَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى اتِّبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَادْعُ إِلى رَبِّكَ أَيْ لَا تَخُصَّ بِالدُّعَاءِ أُمَّةً دُونَ أُمَّةٍ فَكُلُّهُمْ أُمَّتُكَ فَادْعُهُمْ إِلَى شَرِيعَتِكَ فَإِنَّكَ عَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ، وَالْهُدَى يَحْتَمِلُ نَفْسَ الدِّينِ وَيَحْتَمِلُ أَدِلَّةَ الدِّينِ وَهُوَ أَوْلَى. كَأَنَّهُ قَالَ ادْعُهُمْ إِلَى هَذَا الدِّينِ فَإِنَّكَ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةِ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاضِحَةٍ وَلِهَذَا قَالَ: وَإِنْ جادَلُوكَ وَالْمَعْنَى فَإِنْ عَدَلُوا عَنِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْأَدِلَّةِ إِلَى طَرِيقَةِ الْمِرَاءِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْعَادَةِ فَقَدْ بَيَّنْتَ وَأَظْهَرْتَ مَا يَلْزَمُكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ إِيضَاحِ الْأَدِلَّةِ إِلَّا هَذَا الْجِنْسُ الَّذِي يَجْرِي مَجْرَى الْوَعِيدِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ حُكْمِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الَّذِي يَتَرَدَّدُ بَيْنَ جَنَّةٍ وَثَوَابٍ لِمَنْ قَبِلَ، وَبَيْنَ نَارٍ وَعِقَابٍ لِمَنْ رَدَّ وَأَنْكَرَ. فَقَالَ: اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَتَعْرِفُونَ حينئذ الحق من الباطل واللَّه أعلم.

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٧٠ الى ٧٢]

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧٠) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ مِنْ قَبْلُ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الحج: ٦٩] أَتْبَعَهُ بِمَا بِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>