للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقَالُ لَهُ عَيْنُ وَرْدَةٍ وَقِيلَ بِالْهِنْدِ الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّنُّورَ وَجْهُ الْأَرْضِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا الثَّالِثُ: أَنَّهُ أَشْرَفُ مَوْضِعٍ فِي الْأَرْضِ أَيْ أَعْلَاهُ عَنْ قَتَادَةَ والرابع: وَفارَ التَّنُّورُ

أي طلع للفجر عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ،

وَقِيلَ إِنَّ فَوَرَانَ التَّنُّورِ كَانَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْخَامِسُ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ حَمِيَ الْوَطِيسُ وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ الْمَوْضِعُ الْمُنْخَفِضُ مِنَ السَّفِينَةِ الَّذِي يَسِيلُ الْمَاءُ إِلَيْهِ عَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّه وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ لَا يَجُوزُ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ فَوَرَانَ التَّنُّورِ عَلَامَةً لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى يَرْكَبَ عِنْدَهُ السَّفِينَةَ طَلَبًا لِنَجَاتِهِ وَنَجَاةِ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ.

أَمَّا قَوْلُهُ: فَاسْلُكْ فِيها أَيْ أَدْخِلْ فِيهَا يُقَالُ سَلَكَ فِيهِ أَيْ دَخَلَ فِيهِ وَسَلَكَ غَيْرَهُ وَأَسْلَكَهُ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أَيْ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ مِنَ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَحْضُرُهُ فِي الْوَقْتِ اثْنَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لِكَيْ لَا يَنْقَطِعَ نَسْلُ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ لَا كَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الِاثْنَانِ،

رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ إِلَّا مَا يَلِدُ وَيَبِيضُ،

وَقُرِئَ مِنْ كُلٍّ بِالتَّنْوِينِ، أَيْ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ زَوْجَيْنِ، وَاثْنَيْنِ تَأْكِيدٌ وَزِيَادَةُ بَيَانٍ.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ أَيْ وَأَدْخِلْ أَهْلَكَ وَلَفْظُ عَلَى إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَضَارِّ.

قَالَ تَعَالَى: لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٦] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَهُ بِإِدْخَالِ سَائِرِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ من أهله، وقيل المراد بأهله مَنْ آمَنَ دُونَ مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ نَسَبًا أَوْ سَبَبًا وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَإِلَّا لَمَا جَازَ اسْتِثْنَاءُ قَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا يَعْنِي كَنْعَانَ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَخْبَرَ بِإِهْلَاكِهِمْ وَجَبَ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ أَنْ يَسْأَلَهُ فِي بَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ إِنْ أَجَابَهُ إِلَيْهِ، فَقَدْ صَيَّرَ خَبَرَهُ الصِّدْقَ كَذِبًا، وَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ إِلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ تَحْقِيرًا لِشَأْنِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلِذَلِكَ قَالَ: إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ أَيِ الْغَرَقُ نَازِلٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ.

أَمَّا قَوْلُهُ: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: كَانَ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانُونَ إِنْسَانًا، نُوحٌ وَامْرَأَتُهُ سِوَى الَّتِي غَرِقَتْ، وَثَلَاثَةُ بَنِينَ: سَامٍ وَحَامٍ وَيَافِثُ، وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ لَهُمْ، وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ إِنْسَانًا فَكُلُّ الْخَلَائِقِ نَسْلُ مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ.

أَمَّا قَوْلُهُ: فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: إِنَّمَا قَالَ: فَقُلِ وَلَمْ يَقُلْ فَقُولُوا لِأَنَّ نُوحًا كَانَ نَبِيًّا لَهُمْ وَإِمَامًا لَهُمْ، فَكَانَ قَوْلُهُ قَوْلًا لَهُمْ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشْعَارِ بِفَضْلِ النُّبُوَّةِ وَإِظْهَارِ كِبْرِيَاءِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّ رُتْبَةَ تِلْكَ الْمُخَاطَبَةِ لَا يَتَرَقَّى إِلَيْهَا إِلَّا مَلَكٌ أَوْ نَبِيٌّ.

المسألة الثَّانِيَةُ: قَالَ قَتَادَةُ عَلَّمَكُمُ اللَّه أَنْ تَقُولُوا عِنْدَ رُكُوبِ السَّفِينَةِ بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها [هُودٍ:

٤١] وَعِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزُّخْرُفِ: ١٣] وَعِنْدَ النُّزُولِ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢٩] قَالَ الْأَنْصَارِيُّ: وَقَالَ لِنَبِيِّنَا وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ [الْإِسْرَاءِ: ٨٠] وَقَالَ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ [النَّحْلِ: ٩٨] كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَكُونُوا عَنْ ذِكْرِهِ وَعَنِ الِاسْتِعَاذَةِ بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ غَافِلِينَ.

المسألة الثَّالِثَةُ: هَذِهِ مُبَالَغَةٌ عَظِيمَةٌ فِي تَقْبِيحِ صُورَتِهِمْ حَيْثُ أَتْبَعَ النَّهْيَ عَنِ الدُّعَاءِ لَهُمُ الْأَمْرَ بِالْحَمْدِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>