للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّرْتِيبَ، فَتَقْدِيمُ الِاسْتِئْنَاسِ عَلَى السَّلَامِ فِي اللَّفْظِ لَا يُوجِبُ تَقْدِيمَهُ عَلَيْهِ فِي الْعَمَلِ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا الْحُكْمُ فِي إِيجَابِ تَقْدِيمِ الِاسْتِئْذَانِ؟ وَالْجَوَابُ: تِلْكَ الْحِكْمَةُ هِيَ الَّتِي نَبَّهَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِي لِأَجْلِهِ حُرِّمَ الدُّخُولُ إِلَّا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ هُوَ كَوْنُ الْبُيُوتِ مَسْكُونَةً، إِذْ لَا يَأْمَنُ مَنْ يَهْجُمُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ أَنْ يَهْجُمَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْ عَوْرَةٍ، أَوْ عَلَى مَا لَا يُحِبُّ الْقَوْمُ أَنْ يَعْرِفَهُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْعِلَلِ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهَا بِالنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِرِضَاهُ وَإِلَّا أَشْبَهَ الْغَصْبَ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: كَيْفَ يَكُونُ الِاسْتِئْذَانُ؟ الْجَوَابُ:

اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَأَلِجُ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِامْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا رَوْضَةُ «قُومِي إِلَى هَذَا فَعَلِّمِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُحْسِنُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ قَوْلِي لَهُ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَسَمِعَهَا الرَّجُلُ فَقَالَهَا، فَقَالَ ادْخُلْ فَدَخَلَ وَسَأَلَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ أَشْيَاءَ وَكَانَ يُجِيبُ، فَقَالَ هَلْ فِي الْعِلْمِ مَا لَا تَعْلَمُهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لقد آتاني اللَّه خَيْرًا كَثِيرًا وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّه، وَتَلَا إِنَّ اللَّه عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ إِلَى آخِرِهِ»

وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا دَخَلَ بَيْتًا غَيْرَ بَيْتِهِ حَيِيتُمْ صَبَاحًا وَحَيِيتُمْ مَسَاءً، ثُمَّ يَدْخُلُ فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّجُلَ مَعَ امْرَأَتِهِ فِي لِحَافٍ واحد، فصدق اللَّه تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَعَلَّمَ الْأَحْسَنَ وَالْأَجْمَلَ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا هُوَ التَّنَحْنُحُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَنَحْوُهُ.

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: كَمْ عَدَدُ الِاسْتِئْذَانِ الْجَوَابُ:

رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ بِالْأُولَى يَسْتَنْصِتُونَ، وَبِالثَّانِيَةِ يَسْتَصْلِحُونَ، وَبِالثَّالِثَةِ يَأْذَنُونَ أَوْ يَرُدُّونَ»

وَعَنْ جُنْدُبٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ»

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ، فَجَاءَ أَبُو مُوسَى فَزِعًا، فَقُلْنَا لَهُ مَا أَفْزَعَكَ؟ فَقَالَ أَمَرَنِي عُمَرُ أَنْ آتِيَهُ فَأَتَيْتُهُ، فَاسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟ فَقُلْتُ قَدْ جِئْتُ فَاسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي. وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ فَقَالَ لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ لَأُعَاقِبَنَّكَ. فَقَالَ أُبَيٌّ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، قَالَ فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ فَشَهِدَ لَهُ»

وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي مُوسَى إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ قَتَادَةَ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثَةٌ: الْأُولَى يُسْمِعُ الْحَيَّ، وَالثَّانِي لِيَتَأَهَّبُوا وَالثَّالِثُ إِنْ شَاءُوا أَذِنُوا، وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الْآدَابِ، لِأَنَّ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ/ رُبَّمَا مَنَعَهُمْ بَعْضُ الْأَشْغَالِ مِنَ الْإِذْنِ، وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ رُبَّمَا كَانَ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُ أَوْ يَقْتَضِي الْمَنْعَ أَوْ يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ، فَإِذَا لَمْ يُجَبْ فِي الثَّالِثَةِ يَسْتَدِلُّ بِعَدَمِ الْإِذْنِ عَلَى مَانِعٍ ثَابِتٍ، وَرُبَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ كَرَاهَةَ قُرْبِهِ مِنَ الْبَابِ فَلِذَلِكَ يُسَنُّ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ يَجِبُ فِي الِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا، أَنْ لَا يَكُونَ مُتَّصِلًا، بَلْ يَكُونُ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَالْأُخْرَى وَقْتٌ، فَأَمَّا قَرْعُ الْبَابِ بِعُنْفٍ وَالصِّيَاحُ بِصَاحِبِ الدَّارِ، فَذَاكَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْإِيذَاءَ وَالْإِيحَاشَ، وَكَفَى بِقِصَّةِ بَنِي أَسَدٍ زَاجِرَةٌ وَمَا نَزَلَ فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [الْحُجُرَاتِ: ٤] .

السُّؤَالُ الْخَامِسُ: كَيْفَ يَقِفُ عَلَى الْبَابِ الْجَوَابُ:

رُوِيَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْبَابَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَا تَسْتَأْذِنْ وَأَنْتَ مُسْتَقْبِلُ الْبَابِ.

وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إِذَا أَتَى

<<  <  ج: ص:  >  >>