للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَيْنَ) لَا يَصْلُحُ إِلَّا مُضَافًا إِلَى اسْمَيْنِ فَمَا زَادَ، وَإِنَّمَا قَالَ بَيْنَهُ لِأَنَّ السَّحَابَ وَاحِدٌ فِي اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ سَحَابَةٌ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ [الرَّعْدِ: ١٢] وَالتَّأْلِيفُ ضَمُّ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ أَيْ يَجْمَعُ بَيْنَ قِطَعِ السَّحَابِ فَيَجْعَلُهَا سَحَابًا وَاحِدًا ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً أَيْ مُجْتَمِعًا، وَالرَّكْمُ جَمْعُكَ شَيْئًا فَوْقَ شَيْءٍ حَتَّى تَجْعَلَهُ مَرْكُومًا، وَالْوَدْقُ: الْمَطَرُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُجَاهِدٍ: الْقَطْرُ، وَعَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ: الْمَاءُ.

مِنْ خِلالِهِ مِنْ (شُقُوقِهِ وَمَخَارِقِهِ) «١» جَمْعُ خَلَلٍ كَجِبَالٍ فِي جَمْعِ جَبَلٍ، وَقُرِئَ مِنْ خَلَلِهِ.

المسألة الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: يُزْجِي سَحاباً يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُنْشِئُهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُغَيِّرَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَجْسَامِ لَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَعَلَى الوجه الْأَوَّلِ يَكُونُ نَفْسُ السَّحَابِ مُحْدَثًا، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُؤَلِّفُ بَيْنَ أَجْزَائِهِ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الْمُحْدِثُ مِنْ قِبَلِ اللَّه تَعَالَى تِلْكَ الصِّفَاتُ الَّتِي بِاعْتِبَارِهَا صَارَتْ تِلْكَ الْأَجْسَامُ سَحَابًا، وَفِي قَوْلِهِ: ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ دَلَالَةً عَلَى وُجُودِهَا مُتَقَدِّمًا مُتَفَرِّقًا إِذِ التَّأْلِيفُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَيْنَ مَوْجُودَيْنِ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْعَلُهُ رُكَامًا، وَذَلِكَ بِتَرَكُّبٍ بَعْضِهَا عَلَى الْبَعْضِ، وَهَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ السَّحَابَ إِنَّمَا يَحْمِلُ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَاءِ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ عَجَائِبِ خَلْقِهِ وَدَلَالَةِ مُلْكِهِ وَاقْتِدَارِهِ، قَالَ أَهْلُ الطَّبَائِعِ إِنَّ تَكَوُّنَ السَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالطَّلِّ وَالصَّقِيعِ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ يَكُونُ مِنْ تَكَاثُفِ الْبُخَارِ وَفِي الْأَقَلِّ مِنْ تَكَاثُفِ الْهَوَاءِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْبُخَارُ الصَّاعِدُ إِنْ كَانَ قَلِيلًا وَكَانَ فِي الْهَوَاءِ مِنَ الْحَرَارَةِ مَا يُحَلِّلُ ذَلِكَ الْبُخَارَ فَحِينَئِذٍ يَنْحَلُّ وَيَنْقَلِبُ هَوَاءً. وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْبُخَارُ كَثِيرًا وَلَمْ يَكُنْ فِي الْهَوَاءِ مِنَ الْحَرَارَةِ مَا يُحَلِّلُ ذَلِكَ الْبُخَارَ فَتِلْكَ الْأَبْخِرَةُ الْمُتَصَاعِدَةُ إِمَّا أَنْ تَبْلُغَ فِي صُعُودِهَا إِلَى الطَّبَقَةِ الْبَارِدَةِ مِنَ الْهَوَاءِ أَوْ لَا تَبْلُغَ فَإِنْ بَلَغَتْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَرَدُ هُنَاكَ قَوِيًّا أَوْ لَا يَكُونُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْبَرَدُ هُنَاكَ قَوِيًّا تَكَاثَفَ ذَلِكَ الْبُخَارُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ الْبَرَدِ، وَاجْتَمَعَ وَتَقَاطَرَ فَالْبُخَارُ الْمُجْتَمِعُ هُوَ السَّحَابُ، وَالْمُتَقَاطِرُ هُوَ الْمَطَرُ، وَالدِّيمَةُ وَالْوَابِلُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْغُيُومِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْبَرَدُ شَدِيدًا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَصِلَ الْبَرَدُ إِلَى الْأَجْزَاءِ الْبُخَارِيَّةِ قَبْلَ اجتماعها وانحلالها جبات كِبَارًا أَوْ بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الوجه الْأَوَّلِ نَزَلَ ثَلْجًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى الوجه الثَّانِي نَزَلَ بَرْدًا، وَأَمَّا إِذَا لم تبلغ الأبخرة إِلَى الطَّبَقَةِ الْبَارِدَةِ فَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً أَوْ تَكُونَ قَلِيلَةً، فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فَهِيَ قَدْ تَنْعَقِدُ سَحَابًا مَاطِرًا وَقَدْ لَا تَنْعَقِدُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَذَاكَ لِأَحَدِ أَسْبَابٍ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا: إِذَا مَنَعَ هُبُوبُ الرِّيَاحِ عَنْ تَصَاعُدِ تِلْكَ الْأَبْخِرَةِ وَثَانِيهَا: أَنْ تَكُونَ الرِّيَاحُ ضَاغِطَةً إِيَّاهَا إِلَى الِاجْتِمَاعِ بِسَبَبِ وُقُوفِ جِبَالٍ قُدَّامَ الرِّيحِ. وَثَالِثُهَا: / أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ رِيَاحٌ مُتَقَابِلَةٌ مُتَصَادِمَةٌ فَتَمْنَعُ صُعُودَ الْأَبْخِرَةِ حِينَئِذٍ وَرَابِعُهَا: أَنْ يَعْرِضَ لِلْجُزْءِ الْمُتَقَدِّمِ وُقُوفٌ لِثِقَلِهِ وَبُطْءِ حَرَكَتِهِ، ثم يلتصق به سائر الأجزاء الكثيرة العدد وَخَامِسُهَا: لِشِدَّةِ بَرْدِ الْهَوَاءِ الْقَرِيبِ مِنَ الْأَرْضِ. وَقَدْ نُشَاهِدُ الْبُخَارَ يَصْعَدُ فِي بَعْضِ الْجِبَالِ صُعُودًا يَسِيرًا حَتَّى كَأَنَّهُ مِكَبَّةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى وَهْدَةٍ، وَيَكُونُ النَّاظِرُ إِلَيْهَا فَوْقَ تِلْكَ الْغَمَامَةِ وَالَّذِينَ يَكُونُونَ تَحْتَ الْغَمَامَةِ يُمْطَرُونَ وَالَّذِينَ يَكُونُونَ فَوْقَهَا يَكُونُونَ فِي الشَّمْسِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْأَبْخِرَةُ الْقَلِيلَةُ الِارْتِفَاعِ قَلِيلَةً لَطِيفَةً فَإِذَا ضَرَبَهَا بَرْدُ اللَّيْلِ كَثَّفَهَا وَعَقَدَهَا مَاءً مَحْسُوسًا فَنَزَلَ نُزُولًا مُتَفَرِّقًا لَا يُحِسُّ بِهِ إِلَّا عِنْدَ اجْتِمَاعِ شَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْمُدْ كَانَ طَلًّا، وَإِنْ جَمَدَ كَانَ صَقِيعًا، وَنِسْبَةُ الصَّقِيعِ إِلَى الطَّلِّ نِسْبَةُ الثَّلْجِ إِلَى الْمَطَرِ، وَأَمَّا تَكَوُّنُ السَّحَابِ مِنَ انْقِبَاضِ الْهَوَاءِ فَذَلِكَ عند ما يَبْرُدُ الْهَوَاءُ وَيَنْقَبِضُ، وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ مِنْهُ الْأَقْسَامُ الْمَذْكُورَةُ وَالْجَوَابُ: أَنَّا لَمَّا دَلَّلْنَا عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ وَتَوَسَّلْنَا بِذَلِكَ إِلَى كَوْنِهِ قَادِرًا مُخْتَارًا يمكنه إيجاد


(١) في الكشاف (فتوقه ومخارجه) ٣/ ٧٠ ط. دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>