للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَثاماً أَيْ شَدِيدًا، يُقَالُ يَوْمٌ ذُو أَثَامٍ لِلْيَوْمِ الْعَصِيبِ) «١» .

أَمَّا قَوْلُهُ: يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً فَفِيهِ مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: يُضاعَفْ بَدَلٌ مِنْ يَلْقَ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَقُرِئَ (يُضْعَفْ) وَ (نُضْعِفْ لَهُ الْعَذَابَ) بِالنُّونِ وَنَصْبِ الْعَذَابِ، وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ أَوْ عَلَى الْحَالِ، وَكَذَلِكَ (يَخْلُدْ) [وَقُرِئَ] «٢» (وَيُخْلَدْ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا مِنَ الْإِخْلَادِ وَالتَّخْلِيدِ، وَقُرِئَ (وَتَخْلُدْ) بِالتَّاءِ عَلَى الِالْتِفَاتِ.

المسألة الثَّانِيَةُ: سَبَبُ تَضْعِيفِ الْعَذَابِ أَنَّ الْمُشْرِكَ إِذَا ارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ مَعَ الشِّرْكِ عُذِّبَ عَلَى الشِّرْكِ وَعَلَى الْمَعَاصِي جَمِيعًا، فَتُضَاعَفُ الْعُقُوبَةُ لِمُضَاعَفَةِ الْمُعَاقَبِ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ.

المسألة الثَّالِثَةُ: قَالَ الْقَاضِي: بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ وَالزِّيَادَةَ يَكُونُ حَالُهُمَا فِي الدَّوَامِ كَحَالِ الْأَصْلِ، فَقَوْلُهُ: وَيَخْلُدْ فِيهِ أَيْ وَيَخْلُدْ فِي ذَلِكَ التَّضْعِيفِ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ التَّضْعِيفَ إِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِ الْعِقَابِ عَلَى الْمَعَاصِي، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عِقَابُ هَذِهِ الْمَعَاصِي فِي حَقِّ الْكَافِرِ دَائِمًا، / وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ كَذَلِكَ، لِأَنَّ حَالَهُ فِيمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ لَا يَتَغَيَّرُ سَوَاءً فَعَلَ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا وَالْجَوَابُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِتْيَانِ بِالشَّيْءِ مَعَ غَيْرِهِ أَثَرٌ فِي مَزِيدِ الْقُبْحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْئَيْنِ قَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ حَسَنًا وَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَبِيحًا، وَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبِيحًا، وَيَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَقْبَحَ، فكذا هاهنا.

المسألة الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِشَارَةٌ إِلَى مَا ثَبَتَ أَنَّ الْعِقَابَ هُوَ الْمَضَرَّةُ الْخَالِصَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالْإِذْلَالِ وَالْإِهَانَةِ، كَمَا أَنَّ الثَّوَابَ هُوَ الْمَنْفَعَةُ الْخَالِصَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالتَّعْظِيمِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ يُضَاعِفُ لَهُ الْعَذَابَ ضِعْفَيْنِ، فَيَكْفِي لِصِحَّةِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ لَا يُضَاعِفَ لِلتَّائِبِ الْعَذَابَ ضِعْفَيْنِ، وَإِنَّمَا الدَّالُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:

فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: تَوْبَةُ الْقَاتِلِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَزَعَمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً [النِّسَاءِ: ٩٣] وَقَالُوا نَزَلَتِ الْغَلِيظَةُ بَعْدَ اللَّيِّنَةِ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَعَنِ الضَّحَّاكِ وَمُقَاتِلٍ بِثَمَانِ سِنِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.

المسألة الثَّالِثَةُ: فَإِنْ قِيلَ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَدْخُلُ فِيهِ التَّوْبَةُ وَالْإِيمَانُ، فَكَانَ ذِكْرُهُمَا قَبْلَ ذِكْرِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ حَشْوًا، قُلْنَا: أَفْرَدَهُمَا بِالذِّكْرِ لِعُلُوِّ شَأْنِهِمَا، وَلَمَّا كَانَ لَا بُدَّ مَعَهُمَا مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ لَا جَرَمَ ذَكَرَ عَقِيبَهُمَا الْعَمَلَ الصَّالِحَ.

المسألة الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ على وجوه: أحدها:


(١) في الكشاف (وقرأ ابن مسعود أياما أي شدائد، يقال: يوم ذو أيام لليوم العصيب) ٣/ ١٠١ ط. دار الفكر.
(٢) زيادة من الكشاف ٣/ ١٠١ ط. دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>