للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [الْقَصَصِ: ١٦] وَقُرِئَ (أَلَا مَنْ ظَلَمَ) بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَالْمُرَادُ حُسْنُ التَّوْبَةِ وَسُوءُ الذَّنْبِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ (حَسَنًا) . أَمَّا قَوْلُهُ: فِي تِسْعِ آياتٍ فَهُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَحَرْفُ الْجَرِّ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، وَالْمَعْنَى اذْهَبْ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَانَتِ الْآيَاتُ إِحْدَى عَشْرَةَ، اثْنَتَانِ مِنْهَا الْيَدُ وَالْعَصَا، وَالتُّسْعُ: الْفَلْقُ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقَمَّلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ وَالطَّمْسَةُ وَالْجَدْبُ فِي بَوَادِيهِمْ وَالنُّقْصَانُ فِي مَزَارِعِهِمْ.

أَمَّا قَوْلُهُ: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً فَقَدْ جَعَلَ الْإِبْصَارَ لَهَا، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِمُتَأَمِّلِهَا، وَذَلِكَ بِسَبَبِ نَظَرِهِمْ وَتَفَكُّرِهِمْ فِيهَا، أَوْ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا لِظُهُورِهَا تُبْصِرُ فَتَهْتَدِي، وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَقَتَادَةُ مُبْصِرَةً وَهُوَ نَحْوُ مَجْبَنَةٍ وَمَبْخَلَةٍ، أَيْ مَكَانًا يَكْثُرُ فِيهِ التَّبَصُّرُ.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ فَالْوَاوُ فِيهَا وَاوُ الْحَالِ، وَقَدْ بَعْدَهَا مُضْمَرَةٌ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْأَنْفُسِ أَنَّهُمْ جَحَدُوهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَاسْتَيْقَنُوهَا فِي قُلُوبِهِمْ وَضَمَائِرِهِمْ، وَالِاسْتِيقَانُ أَبْلَغُ مِنَ الْإِيقَانِ.

أَمَّا قَوْلُهُ: ظُلْماً وَعُلُوًّا فَأَيُّ ظُلْمٍ أَفْحَشُ مِنْ ظُلْمِ مَنِ اسْتَيْقَنَ أَنَّهَا آيَاتٌ بَيِّنَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ كَابَرَ بِتَسْمِيَتِهَا سِحْرًا بَيِّنًا. وَأَمَّا الْعُلُوُّ فَهُوَ التَّكَبُّرُ وَالتَّرَفُّعُ عَنِ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى كَقَوْلِهِ: فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٤٦] وَقُرِئَ (عُلِيًّا) وَ (عِلِيًّا) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، كما قرئ [عتيا و] «١» عِتِيًّا [مريم: ٨، ٦٩] واللَّه أعلم.

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ١٥ الى ١٩]

وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩)

الْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ- قِصَّةُ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ والسلام

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: عِلْماً فَالْمُرَادُ طَائِفَةٌ مِنَ العلم أو علما سنيا (عزيزا) «٢» ، فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ الْفَاءِ دُونَ الواو، كقولك أعطيته فشكر [ومنعته فصبر] «٣» ؟ جَوَابُهُ: أَنَّ الشُّكْرَ بِاللِّسَانِ إِنَّمَا يَحْسُنُ مَوْقِعُهُ إذا كان


(١) زيادة من الكشاف.
(٢) في الكشاف (غزيرا) .
(٣) زيادة من الكشاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>