للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: ألم تسكني جنتك؟ قَالَ: يَا رَبِّ أَلَمْ تَسْبِقْ رَحْمَتُكَ غَضَبَكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: يَا رَبِّ إِنْ تُبْتُ وَأَصْلَحْتُ تَرُدُّنِي إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى فَهُوَ قَوْلُهُ: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ وَزَادَ السُّدِّيُّ فِيهِ: يَا رَبِّ هَلْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ ذَنْبًا؟ قَالَ: نَعَمْ.

وَثَانِيهَا: قَالَ النَّخَعِيُّ: أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: مَا الْكَلِمَاتُ الَّتِي تَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ. قَالَ: عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ وَحَوَّاءَ أَمْرَ الْحَجِّ فَحَجَّا وَهِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُقَالُ فِي الْحَجِّ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنَ الْحَجِّ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِمَا بِأَنِّي قَبِلْتُ تَوْبَتَكُمَا. وَثَالِثُهَا: قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا هِيَ قَوْلُهُ: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الْأَعْرَافِ: ٢٣] . وَرَابِعُهَا:

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: إِنَّهَا قَوْلُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ عَمِلْتُ سُوءًا وَظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ عَمِلْتُ سُوءًا وَظَلَمْتُ نَفْسِي فَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ. لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ/ وَبِحَمْدِكَ عَمِلْتُ سُوءًا وَظَلَمْتُ نَفْسِي فَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

وَخَامِسُهَا: قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَتُوبَ عَلَى آدَمَ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَالْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ رَبْوَةٌ حَمْرَاءُ، فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤْلِي وَتَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَنِي إِلَّا مَا كَتَبْتَ لِي وَأَرْضَى بِمَا قَسَمْتَ لِي. فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى آدَمَ: يَا آدَمُ قَدْ غَفَرْتُ لَكَ ذَنْبَكَ وَلَنْ يَأْتِيَنِي أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ فَيَدْعُوَنِي بِهَذَا الدُّعَاءِ الَّذِي دَعَوْتَنِي بِهِ إِلَّا غَفَرْتُ ذَنْبَهُ وَكَشَفْتُ هُمُومَهُ وَغُمُومَهُ وَنَزَعْتُ الْفَقْرَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ وَجَاءَتْهُ الدُّنْيَا وَهُوَ لَا يُرِيدُهَا.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: التَّوْبَةُ تَتَحَقَّقُ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ مُتَرَتِّبَةٍ، علم وحال وعمل، فالعلم أول والحال ثان وَالْعَمَلُ ثَالِثٌ، وَالْأَوَّلُ مُوجِبٌ لِلثَّانِي، وَالثَّانِي مُوجِبٌ لِلثَّالِثِ إِيجَابًا اقْتَضَتْهُ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، أَمَّا الْعِلْمُ فَهُوَ مَعْرِفَةُ مَا فِي الذَّنْبِ مِنَ الضَّرَرِ وَكَوْنِهِ حِجَابًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَحْمَةِ الرَّبِّ، فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ مَعْرِفَةً مُحَقَّقَةً حَصَلَ مِنْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ تَأَلُّمُ الْقَلْبِ بِسَبَبِ فَوَاتِ الْمَحْبُوبِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ مَهْمَا شَعَرَ بِفَوَاتِ الْمَحْبُوبِ تَأَلَّمَ، فَإِذَا كَانَ فَوَاتُهُ يُفْعَلُ مِنْ جِهَتِهِ تَأَسَّفَ بِسَبَبِ فَوَاتِ الْمَحْبُوبِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي كَانَ سَبَبًا لِذَلِكَ الْفَوَاتِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ التَّأَسُّفُ نَدَمًا، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْأَلَمَ إِذَا تَأَكَّدَ حَصَلَتْ مِنْهُ إِرَادَةٌ جَازِمَةٌ وَلَهَا تَعَلُّقٌ بِالْحَالِ وَبِالْمُسْتَقْبَلِ وَبِالْمَاضِي، أَمَّا تَعَلُّقُهَا بِالْحَالِ فَبِتَرْكِ الذَّنْبِ الَّذِي كَانَ مُلَابِسًا لَهُ وَأَمَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ فَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْمُفَوِّتِ لِلْمَحْبُوبِ إِلَى آخِرِ الْعُمْرِ. وَأَمَّا بِالْمَاضِي فَبِتَلَافِي مَا فَاتَ بِالْجَبْرِ وَالْقَضَاءِ إِنْ كَانَ قَابِلًا لِلْجَبْرِ، فَالْعِلْمُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَطْلَعُ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ وَأَعْنِي بِهِ الْيَقِينَ التَّامَّ بِأَنَّ هَذِهِ الذُّنُوبَ سُمُومٌ مُهْلِكَةٌ، فَهَذَا الْيَقِينُ نُورٌ وَهَذَا النُّورُ يُوجِبُ نَارَ النَّدَمِ فَيَتَأَلَّمُ بِهِ الْقَلْبُ حَيْثُ أَبْصَرَ بِإِشْرَاقِ نُورِ الْإِيمَانِ أَنَّهُ صَارَ مَحْجُوبًا عَنْ مَحْبُوبِهِ كَمَنْ يُشْرِقُ عَلَيْهِ نُورُ الشَّمْسِ وَقَدْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ فَيَطْلُعُ النُّورُ عَلَيْهِ بِانْقِشَاعِ السَّحَابِ، فَرَأَى مَحْبُوبَهُ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَتَشْتَعِلُ نِيرَانُ الْحُبِّ فِي قَلْبِهِ فَتَنْبَعِثُ مِنْ تِلْكَ النِّيرَانِ إِرَادَتُهُ لِلِانْتِهَاضِ لِلتَّدَارُكِ، فَالْعِلْمُ وَالنَّدَمُ وَالْقَصْدُ الْمُتَعَلِّقُ بِالتَّرْكِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَالتَّلَافِي لِلْمَاضِي ثَلَاثَةُ مَعَانٍ مُتَرَتِّبَةٌ فِي الْحُصُولِ [عَلَى التَّوْبَةِ] . وَيُطْلَقُ اسْمُ التَّوْبَةِ عَلَى مَجْمُوعِهَا وَكَثِيرًا مَا يُطْلَقُ اسْمُ التَّوْبَةِ عَلَى مَعْنَى النَّدَمِ وَحْدَهُ وَيُجْعَلُ الْعِلْمُ السَّابِقُ كَالْمُقَدِّمَةِ وَالتَّرْكُ كَالثَّمَرَةِ وَالتَّابِعِ الْمُتَأَخِّرِ. وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» ،

إِذْ لَا يَنْفَكُّ النَّدَمُ عَنْ عِلْمٍ أَوْجَبَهُ وَعَنْ عَزْمٍ يَتْبَعُهُ فَيَكُونُ النَّدَمُ مَحْفُوفًا بِطَرَفَيْهِ، أَعْنِي مُثْمِرَهُ وَثَمَرَتَهُ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَخَّصَهُ الشَّيْخُ الْغَزَالِيُّ فِي حَقِيقَةِ التوبة وهو