للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنه وإن كان السكون في النهار ممكنا وابتغاء فضل الله بالليل ممكنا إلا أن الأليق بكل واحد منهما ما ذكره الله تعالى به فلهذا خصه به.

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]

وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥)

اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا هَجَّنَ طَرِيقَةَ الْمُشْرِكِينَ، أَوَّلًا ثُمَّ ذَكَرَ التوحيد ودلائله، ثانيا عاد إلى تهجن طَرِيقَتِهِمْ مَرَّةً أُخْرَى وَشَرَحَ حَالَهُمْ فِي الْآخِرَةِ فقال: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أي الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ وَالْمَعْنَى أَيْنَ الَّذِينَ ادَّعَيْتُمْ إِلَهِيَّتَهُمْ لِتَخَلُّصِكُمْ، أَوْ أَيْنَ قَوْلُكُمْ تُقَرِّبُنَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وَقَدْ عَلِمُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ زَائِدًا فِي غَمِّهِمْ إِذَا خُوطِبُوا بِهَذَا الْقَوْلِ.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَالْمُرَادُ مَيَّزْنَا وَاحِدًا لِيَشْهَدَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ يَشْهَدُونَ بِأَنَّهُمْ بَلَّغُوا الْقَوْمَ الدَّلَائِلَ وَبَلَغُوا فِي إِيضَاحِهَا كُلَّ غَايَةٍ لِيُعْلَمَ أَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ زَائِدًا فِي غَمِّهِمْ، وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ هُمُ الشُّهَدَاءُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى النَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَيَدْخُلُ فِي جُمْلَتِهِمُ الْأَنْبِيَاءُ وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَمَّ كَلَّ أُمَّةٍ وَكُلَّ جَمَاعَةٍ بِأَنْ يَنْزِعَ مِنْهُمُ الشَّهِيدَ فَيَدْخُلَ فِيهِ الْأَحْوَالُ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ فِيهَا النَّبِيُّ وَهِيَ أَزْمِنَةُ الْفَتَرَاتِ وَالْأَزْمِنَةُ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ/ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَعَلِمُوا حِينَئِذٍ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَلِرُسُلِهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ غَابَ عَنْهُمْ غَيْبَةَ الشَّيْءِ الضَّائِعِ ما كانُوا يَفْتَرُونَ من الباطل والكذب.

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٧٦ الى ٧٨]

إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)

اعْلَمْ أَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ قَدْ آمَنَ بِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَيْضًا حَمْلُهُ عَلَى الْقَرَابَةِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّهُ كَانَ ابْنَ عَمِّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّهُ كَانَ قَارُونُ بْنَ يَصْهَرَ بْنِ قَاهِثِ بْنِ لَاوِي، وَمُوسَى بْنَ عِمْرَانَ بْنِ قَاهِثِ بْنِ لَاوِي وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ إِنَّهُ كَانَ عَمَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ يَصْهَرَ بْنِ قَاهِثَ وَقَارُونَ بْنُ يَصْهَرَ بْنِ قَاهِثَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ خَالَتِهِ، ثُمَّ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ يُسَمَّى الْمُنَوَّرَ لِحُسْنِ صُورَتِهِ وَكَانَ أَقْرَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِلتَّوْرَاةِ، إِلَّا أَنَّهُ نَافَقَ كَمَا نافق السامري.

أما قوله: فَبَغى عَلَيْهِمْ فَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ بَغَى بِسَبَبِ مَالِهِ، وَبَغْيُهُ أَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِالْفُقَرَاءِ وَلَمْ يَرْعَ لَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>