للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِسْكِينُ حَاجَتُهُ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِمَوْضِعٍ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَنْ حَاجَتُهُ مُخْتَصَّةٌ بِمَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ذَكَرَ الْأَقَارِبَ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ كَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ ذَوُو الْقُرْبَى، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمِسْكِينَ بِلَفْظِ ذِي الْمَسْكَنَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَتَجَدَّدُ فَهِيَ شَيْءٌ ثَابِتٌ، وَذُو كَذَا لَا يُقَالُ إِلَّا فِي الثَّابِتِ، فَإِنَّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ رَأْيٌ صَائِبٌ مَرَّةً أَوْ حَصَلَ لَهُ جَاهٌ يَوْمًا وَاحِدًا أَوْ وُجِدَ مِنْهُ فضل في وقت لا يُقَالُ ذُو رَأْيٍ وَذُو جَاهٍ وَذُو فَضْلٍ، وَإِذَا دَامَ ذَلِكَ لَهُ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ ذَلِكَ كَثِيرًا يُقَالُ لَهُ ذُو الرَّأْيِ وَذُو الْفَضْلِ، فَقَالَ ذَا الْقُرْبى إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذَا حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ ثَابِتٌ، وَأَمَّا الْمَسْكَنَةُ فَتَطْرَأُ وَتَزُولُ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ: مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ [الْبَلَدِ: ١٦] فَإِنَّ الْمِسْكِينَ يَدُومُ لَهُ كَوْنُهُ ذَا مَتْرَبَةٍ مَا دَامَتْ مَسْكَنَتُهُ أَوْ يَكُونُ كَذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ: فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ثُمَّ عَطَفَ الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَمْ يَقُلْ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ حَقَّهُمْ، لِأَنَّ الْعِبَارَةَ الثَّانِيَةَ لِكَوْنِ صُدُورِ الْكَلَامِ أَوَّلًا لِلتَّشْرِيكِ وَالْأَوْلَى لِكَوْنِ التَّشْرِيكُ وَارِدًا عَلَى الْكَلَامِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ أَعْطِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ثُمَّ يَذْكُرُ الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ بِالتَّبَعِيَّةِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى إِذَا قَالَ الْمَلِكُ خَلِّ فلان يَدْخُلْ، وَفُلَانًا أَيْضًا يَكُونُ فِي التَّعْظِيمِ فَوْقَ ما إذا قال خل فلانا وفلانا يدخلان، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

بِقَوْلِهِ: «بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ» حَيْثُ قَالَ الرَّجُلُ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدِ اهْتَدَى، ومن عصاهما فقد غورى وَلَمْ يَقُلْ وَمَنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: ذلِكَ خَيْرٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقَسْ إِلَى غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ [الحج: ٧٧] اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ

[الْبَقَرَةِ:

١٤٨] وَالثَّانِي أَوْلَى لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إِلَى إِضْمَارٍ وَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ فَائِدَةً لِأَنَّ الْخَيْرَ مِنَ الْغَيْرِ قَدْ يَكُونُ نَازِلَ الدَّرَجَةِ، عِنْدَ نُزُولِ دَرَجَةٍ مَا يُقَاسُ إِلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ السُّكُوتُ خَيْرٌ مِنَ الْكَذِبِ، وَمَا هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ حَسَنٌ يَنْفَعُ وَفِعْلٌ صَالِحٌ يَرْفَعُ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْقَصْدِ لَا بِنَفْسِ الْفِعْلِ، فَإِنَّ مَنْ أَنْفَقَ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ رِيَاءَ النَّاسِ لَا يَنَالُ دَرَجَةَ مَنْ يَتَصَدَّقُ بِرَغِيفٍ لِلَّهِ، وَقَوْلُهُ: وَجْهَ اللَّهِ أَيْ يَكُونُ عَطَاؤُهُ لِلَّهِ لَا غَيْرَ، فَمَنْ أَعْطَى لِلْجَنَّةِ لَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَخْلُوقَ اللَّهِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: كَيْفَ قَالَ: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ مَعَ أَنَّ لِلْإِفْلَاحِ شَرَائِطَ أُخَرَ، وَهِيَ/ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١] فَنَقُولُ كُلُّ وَصْفٍ مَذْكُورٍ هُنَاكَ يُفِيدُ الْإِفْلَاحَ، فَقَوْلُهُ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٤] وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٨] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ عَطْفٌ عَلَى الْمُفْلِحِ أَيْ هَذَا مُفْلِحٌ، وَذَاكَ مُفْلِحٌ، وَذَاكَ الْآخَرُ مُفْلِحٌ لَا يُقَالُ لَا يَحْصُلُ الْإِفْلَاحُ لِمَنْ يَتَصَدَّقُ وَلَا يُصَلِّي، فَنَقُولُ هَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ الْعَالِمُ مُكَرَّمٌ أَيْ نَظَرًا إِلَى عِلْمِهِ ثُمَّ إِذَا حُدَّ فِي الزِّنَا عَلَى سَبِيلِ النَّكَالِ وَقُطِعَتْ يَدُهُ فِي السَّرِقَةِ لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الْقَوْلُ حتى يقول القائل، إنما كان ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْفِسْقِ، فَكَذَلِكَ إِيتَاءُ الْمَالِ لِوَجْهِ اللَّهِ يُفِيدُ الْإِفْلَاحَ، اللَّهُمَّ إِلَّا إِذَا وُجِدَ مَانِعٌ مِنَ ارْتِكَابٍ مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: لِمَ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ مِنَ الْأَفْعَالِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا؟ فَنَقُولُ الصَّلَاةُ مَذْكُورَةٌ مِنْ قَبْلُ لِأَنَّ الْخِطَابَ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ: فَآتِ مع النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُ تَبَعٌ، وَقَدْ قَالَ لَهُ مِنْ قبل فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً

<<  <  ج: ص:  >  >>