للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة لقمان (٣١) : آية ٢٦]]

لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)

ذَكَرَ بِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ مَا فِيهِمَا وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ عَقْلًا وَشَرْعًا، أَمَّا عَقْلًا فَلِأَنَّ مَا في السموات الْمَخْلُوقَةِ مَخْلُوقٌ وَإِضَافَةُ خَلْقِهِ إِلَى مَنْ مِنْهُ خلق السموات وَالْأَرْضِ لَازِمٌ عَقْلًا لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ، وَالْمُمْكِنُ لَا يَقَعُ وَلَا يُوجَدُ إِلَّا بِوَاجِبٍ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَمَا يَقُولُهُ غَيْرُهُمْ، وَكَيْفَمَا فُرِضَ فَكُلُّهُ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّ سَبَبَ السَّبَبِ سَبَبٌ، وَأَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّ مَنْ يَمْلِكُ أَرْضًا وَحَصَلَ مِنْهَا شَيْءٌ مَا يَكُونُ ذَلِكَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ فَكَذَلِكَ كل ما في السموات والأرض حاصل فيهما ومنهما فهو لمالك السموات وَالْأَرْضِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ تَحَقَّقَ أَنَّ الْحَمْدَ كُلَّهُ لِلَّهِ. ثُمَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فِيهِ مَعَانٍ لَطِيفَةٌ أَحَدُهَا: أَنَّ الْكُلَّ لِلَّهِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ غَيْرُ مُنْتَفِعٍ بِهِ وَفِيهَا مَنَافِعُ فَهِيَ لَكُمْ خَلَقَهَا فَهُوَ غَنِيٌّ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ حُمَيْدٌ مَشْكُورٌ لِدَفْعِهِ حَوَائِجَكُمْ بِهَا وَثَانِيهَا: أَنَّ بَعْدَ ذِكْرِ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ كُلَّهُ لِلَّهِ وَلَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لِلَّهِ افْتَرَقَ الْمُكَلَّفُونَ فَرِيقَيْنِ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، وَالْكَافِرُ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ وَالْمُؤْمِنُ حَمِدَهُ فَقَالَ إِنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ حَمْدِ الْحَامِدِينَ فَلَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ بِسَبَبِ كُفْرِ الْكَافِرِينَ، وَحَمِيدٌ فِي نَفْسِهِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ إِصَابَةُ الْمُؤْمِنِينَ وتكمل بحمده الحامدون وثالثها: هو أن السموات وَمَا فِيهَا وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهَا إِذَا كَانَتْ لِلَّهِ وَمَخْلُوقَةً لَهُ فَالْكُلُّ مُحْتَاجُونَ فَلَا غَنِيَّ إِلَّا اللَّهُ فَهُوَ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ وَكُلٌّ مُحْتَاجٌ فَهُوَ حَامِدٌ، لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى مَنْ يَدْفَعُ حَاجَتَهُ فَلَا يَكُونُ الْحَمِيدُ الْمُطْلَقُ إِلَّا الْغَنِيَّ الْمُطْلَقَ فَهُوَ الْحَمِيدُ، وَعَلَى هَذَا [يَكُونُ] الْحَمِيدُ بِمَعْنَى الْمَحْمُودِ، وَاللَّهُ إِذَا قِيلَ لَهُ الْحَمِيدُ لَا يَكُونُ مَعْنَاهُ إِلَّا الْوَاصِفَ، أَيْ وَصَفَ نَفْسَهُ أَوْ عِبَادَهُ بِأَوْصَافٍ حَمِيدَةٍ، وَالْعَبْدُ إِذَا قِيلَ لَهُ حَامِدٌ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ عابدا شاكرا له. ثم قال تعالى:

[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]

وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)

لَمَّا قَالَ تَعَالَى: لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ ذَلِكَ موهما لتناهي ملكه لانحصار ما في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ فِيهِمَا، وَحُكْمُ الْعَقْلِ الصَّرِيحُ بِتَنَاهِيهِمَا بَيَّنَ أَنَّ فِي قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ عَجَائِبَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَقَالَ: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَيُكْتَبُ بِهَا وَالْأَبْحُرُ مِدَادٌ لَا تَفْنَى عَجَائِبُ صُنْعِ اللَّهِ، وَعَلَى هَذَا فَالْكَلِمَةُ مُفَسَّرَةٌ بِالْعَجِيبَةِ، وَوَجْهُهَا أَنَّ الْعَجَائِبَ بقوله كن وكن كَلِمَةٌ وَإِطْلَاقُ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ جَائِزٌ. يَقُولُ الشُّجَاعُ لِمَنْ يُبَارِزُهُ أَنَا مَوْتُكَ، وَيُقَالُ لِلدَّوَاءِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ/ هَذَا شِفَاؤُكَ، وَدَلِيلُ صِحَّةِ هَذَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَسِيحَ كَلِمَةً لِأَنَّهُ كَانَ أَمْرًا عَجِيبًا وَصُنْعًا غَرِيبًا لِوُجُودِهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ الْآيَةُ وَارِدَةٌ فِي الْيَهُودِ حَيْثُ قَالُوا اللَّهُ ذَكَرَ كُلَّ شَيْءٍ فِي التَّوْرَاةِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لَمْ يَذْكُرْهُ، فَقَالَ الَّذِي فِي التَّوْرَاةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ إِلَّا قَطْرَةً مِنْ بِحَارٍ وَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقِيلَ أَيْضًا إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَاحِدٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّكَ تَقُولُ: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الْإِسْرَاءِ: ٨٥] وَتَقُولُ: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [الْبَقَرَةِ: ٢٦٩] فَنَزَلَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعِبَادِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ وَعُلُومِهِ قَلِيلٌ، وَقِيلَ أَيْضًا إِنَّهَا نَزَلَتْ رَدًّا عَلَى الْكُفَّارِ حَيْثُ قَالُوا بِأَنَّ مَا يُورِدُهُ مُحَمَّدٌ سَيَنْفَدُ، فَقَالَ إِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ لَا يَنْفَدُ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ يُنَافِي مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ التَّفْسِيرِ، لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْكَلَامُ، فَنَقُولُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ اختلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>