للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمنه مِنْهُ بِقَوْلِهِ: وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ أَوْ نَقُولُ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْحَسَنَاتِ أَشَارَ إِلَى مَا يَمْنَعُ مِنْهَا وَهُوَ إِمَّا حُبُّ الْجَاهِ أَوْ حُبُّ الْمَالِ مِنَ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ أَوِ الشَّهْوَةُ مِنَ الْأُمُورِ الدَّاخِلَةِ، وَالْغَضَبُ مِنْهُمَا يَكُونُ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِسَبَبِ نَقْصِ جَاهٍ أَوْ فَوْتِ مَالٍ أَوْ مَنْعٍ مِنْ أَمْرٍ مَشْتَهًى فَقَوْلُهُ: وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ أَيِ الْمُتَوَاضِعِينَ الَّذِينَ لَا يُمِيلُهُمُ الْجَاهُ عَنِ الْعِبَادَةِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ أَيِ الْبَاذِلِينَ الْأَمْوَالَ الَّذِينَ لَا يَكْنِزُونَهَا لِشِدَّةِ مَحَبَّتِهِمْ إِيَّاهَا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ إِشَارَةً إِلَى الَّذِينَ لَا تَمْنَعُهُمُ الشَّهْوَةُ الْبَطْنِيَّةُ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ أَيِ الَّذِينَ لَا تَمْنَعُهُمُ الشَّهْوَةُ الْفَرْجِيَّةُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ يَعْنِي هُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ وَيَكُونُ إِسْلَامُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ وَقُنُوتُهُمْ وَصِدْقُهُمْ وَصَبْرُهُمْ وَخُشُوعُهُمْ وَصَدَقَتُهُمْ وَصَوْمُهُمْ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ لِلَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ حَيْثُ ذكر الذكر قرنه بالكثرة هاهنا، وفي قوله بعد هذا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الْأَحْزَابِ: ٤١] وَقَالَ مِنْ قَبْلُ: لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:

٢١] لِأَنَّ الْإِكْثَارَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْبَدَنِيَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ أَوْ عُسْرٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَتَحْصِيلُ مَأْكُولِهِ وَمَشْرُوبِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَشْتَغِلَ دَائِمًا بِالصَّلَاةِ وَلَكِنْ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ آكِلٌ وَيَذْكُرَهُ وَهُوَ شَارِبٌ أَوْ مَاشٍ أَوْ بَائِعٌ أَوْ شَارٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ [آلِ عِمْرَانَ: ١٩١] ولأن جميع الأعمال صحتها بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ النِّيَّةُ:

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً تَمْحُو ذُنُوبَهُمْ وَقَوْلُهُ: وَأَجْراً عَظِيماً ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ قال تعالى:

[[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٦]]

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦)

قِيلَ بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي زَيْنَبَ حَيْثُ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ تَزْوِيجَهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَكَرِهَتْ إِلَّا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَذَلِكَ أَخُوهَا امْتَنَعَ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فَرَضِيَا بِهِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ نَبِيَّهُ بِأَنْ يَقُولَ لِزَوْجَاتِهِ إِنَّهُنَّ مُخَيَّرَاتٌ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَا يُرِيدُ ضَرَرَ الْغَيْرِ فَمَنْ كَانَ مَيْلُهُ إِلَى شَيْءٍ يُمَكِّنُهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَتْرُكُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَقَّ نَفْسِهِ لِحَظِّ غَيْرِهِ، فَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ هَوَى نفسه متبعه وأن زمان الِاخْتِيَارِ بِيَدِ الْإِنْسَانِ كَمَا فِي الزَّوْجَاتِ، بَلْ لَيْسَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ اخْتِيَارٌ عِنْدَ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَمَا أَمَرَ الله وهو الْمُتَّبَعُ وَمَا أَرَادَ النَّبِيُّ هُوَ الْحَقُّ وَمَنْ خَالَفَهُمَا فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا، لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَقْصِدُ وَالنَّبِيُّ هُوَ الْهَادِي الْمُوصِلُ، فَمَنْ تَرَكَ الْمَقْصِدَ وَلَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ الهادي فهو ضال قطعا. ثم قال تعالى:

[[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٧]]

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٣٧)

وَهُوَ زَيْدٌ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيرِ وَالْإِعْتَاقِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ هَمَّ زَيْدٌ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ أَمْسِكْ أَيْ لَا تُطَلِّقْهَا وَاتَّقِ اللَّهَ قِيلَ فِي الطَّلَاقِ، وَقِيلَ فِي الشَّكْوَى مِنْ زَيْنَبَ، فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>