للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ يَرْحَمُهُمْ، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُوَافِقُونَهُ فَهُمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصَلُّونَ بِالْإِضَافَةِ كَأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ أَوْ مَنْدُوبَةٌ سَوَاءٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُصَلِّ وَفِي الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ كَذَلِكَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ فَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِ التَّشَهُّدِ فَتَجِبُ فِي التَّشَهُّدِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

سُئِلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ/ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» .

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا صَلَّى اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ عَلَيْهِ فَأَيُّ حَاجَةٍ إِلَى صَلَاتِنَا؟ نَقُولُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إِلَى صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ مَعَ صَلَاةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِإِظْهَارِ تَعْظِيمِهِ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْنَا ذِكْرَ نَفْسِهِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِإِظْهَارِ تَعْظِيمِهِ مِنَّا شَفَقَةً عَلَيْنَا لِيُثِيبَنَا عَلَيْهِ، وَلِهَذَا

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» .

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: لَمْ يَتْرُكِ اللَّهُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحْتَ مِنَّةِ أُمِّتِهِ بِالصَّلَاةِ حَتَّى عَوَّضَهُمْ مِنْهُ بِأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْأُمَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التَّوْبَةِ: ١٠٣] وَقَوْلُهُ: وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً أَمْرٌ فَيَجِبُ وَلَمْ يَجِبْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ فِيهَا وَهُوَ قَوْلُنَا السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ وَذَكَرَ الْمَصْدَرَ لِلتَّأْكِيدِ لِيُكْمِلَ السَّلَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤَكِّدِ الصَّلَاةَ بِهَذَا التَّأْكِيدِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَكَّدَةً بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ. ثم قال تعالى:

[[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٧]]

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧)

فَصَّلَ الْأَشْيَاءَ بِتَبْيِينِ بَعْضِ أَضْدَادِهَا، فَبَيَّنَ حَالَ مُؤْذِي النَّبِيِّ لِيُبَيِّنَ فَضِيلَةَ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَاللَّعْنُ أَشَدُّ الْمَحْذُورَاتِ لِأَنَّ الْبُعْدَ مِنَ اللَّهِ لَا يُرْجَى مَعَهُ خَيْرٌ بِخِلَافِ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ وَغَيْرِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا تَغَيَّرَ عَلَى مَمْلُوكٍ إِنْ كَانَ تَأَذِّيهِ غَيْرَ قَوِيٍّ يَزْجُرُهُ وَلَا يَطْرُدُهُ وَلَوْ خُيِّرَ الْمُجْرِمُ [بَيْنَ] أَنْ يضرب أو يطرد عند ما يَكُونُ الْمَلِكُ فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ وَالْكَرَمِ يَخْتَارُ الضَّرْبَ عَلَى الطَّرْدِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا مَلِكٌ غَيْرَ سَيِّدِهِ، وَقَوْلُهُ: فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ إِشَارَةٌ إِلَى بُعْدٍ لَا رَجَاءَ لِلْقُرْبِ مَعَهُ، لِأَنَّ الْمُبْعَدَ فِي الدُّنْيَا يَرْجُو الْقُرْبَةَ فِي الْآخِرَةِ، فَإِذَا أُبْعِدَ فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، لِأَنَّ اللَّهَ إِذَا أَبْعَدَهُ وَطَرَدَهُ فَمَنِ الَّذِي يُقَرِّبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَحْصُرْ جَزَاءَهُ فِي الْإِبْعَادِ بَلْ أَوْعَدَهُ بِالْعَذَابِ بِقَوْلِهِ: وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرَ إِيذَاءَ اللَّهِ وَإِيذَاءَ الرَّسُولِ وَذَكَرَ عَقِيبَهُ أَمْرَيْنِ اللَّعْنَ وَالتَّعْذِيبَ فَاللَّعْنُ جَزَاءُ اللَّهِ، لِأَنَّ مَنْ آذَى الْمَلِكَ يُبْعِدُهُ عَنْ بَابِهِ إِذَا كَانَ لَا يَأْمُرُ بِعَذَابِهِ، وَالتَّعْذِيبُ جَزَاءُ إِيذَاءِ الرَّسُولِ لِأَنَّ الْمَلِكَ إِذَا آذَى بَعْضَ عَبِيدِهِ كَبِيرٌ يَسْتَوْفِي مِنْهُ قِصَاصَهُ، لَا يُقَالُ فَعَلَى هَذَا مَنْ يُؤْذِي اللَّهَ وَلَا يُؤْذِي الرَّسُولَ لَا يُعَذَّبُ، لِأَنَّا نَقُولُ انْفِكَاكُ أَحَدِهِمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَنِ الْآخَرِ مُحَالٌ لِأَنَّ مَنْ آذَى اللَّهَ فَقَدْ آذَى الرَّسُولَ، وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ يُؤْذِي النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا يُؤْذِي اللَّهَ كَمَنْ عَصَى مِنْ غَيْرِ إِشْرَاكٍ، كَمَنْ فَسَقَ أَوْ فَجَرَ مِنْ غَيْرِ ارْتِدَادٍ وَكُفْرٍ، فَقَدْ آذَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ/ تَعَالَى صَبُورٌ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَيَجْزِيهِ بِالْعَذَابِ وَلَا يَلْعَنُهُ بِكَوْنِهِ يُبْعِدُهُ عن الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>