للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٠] وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: الْكَافِرُ مَا كَفَرَ بِاللَّهِ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَذَّبَ إِلَى مِثْلِ تِلْكَ الْأَيَّامِ، فَقَالَ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عليه غيب السموات فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فِي الصُّدُورِ، وَكَانَ يَعْلَمُ مِنَ الْكَافِرِ أَنَّ فِي قَلْبِهِ تَمَكُّنُ الْكُفْرِ بِحَيْثُ لَوْ دَامَ إِلَى الْأَبَدِ لَمَا أَطَاعَ اللَّهَ وَلَا عَبَدَهُ.

وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بِذاتِ الصُّدُورِ

مَسْأَلَةٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا مَرَّةً وَنُعِيدُهَا أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الصُّدُورُ هِيَ ذَاتُ اعْتِقَادَاتٍ وَظُنُونٍ، فَكَيْفَ سَمَّى اللَّهُ الِاعْتِقَادَاتِ بِذَاتِ الصُّدُورِ؟ / وَيُقَرِّرُ السُّؤَالَ قَوْلُهُمْ أَرْضٌ ذَاتُ أَشْجَارٍ وَذَاتُ جَنًى إِذَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الصَّدْرُ فِيهِ اعْتِقَادٌ فَهُوَ ذُو اعْتِقَادٍ، فَيُقَالُ لَهُ لَمَّا كَانَ اعْتِبَارُ الصَّدْرِ بِمَا فِيهِ صَارَ مَا فِيهِ كَالسَّاكِنِ الْمَالِكِ حَيْثُ لَا يُقَالُ الدَّارُ ذَاتُ زَيْدٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ زَيْدٌ ذُو دَارٍ وَمَالٍ وَإِنْ كان هو فيها.

[[سورة فاطر (٣٥) : آية ٣٩]]

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩)

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ.

تَقْرِيرًا لِقَطْعِ حُجَّتِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَمَّا قالوا: رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً [فاطر: ٣٧] وقال تعالى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ [فاطر: ٣٧] إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّمْكِينَ وَالْإِمْهَالَ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا الْمَعْرِفَةُ قَدْ حَصَلَ وَمَا آمَنْتُمْ وَزَادَ عليه بقوله: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر: ٣٧] أَيْ آتَيْنَاكُمْ عُقُولًا، وَأَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ مَنْ يُؤَيِّدُ الْمَعْقُولَ بِالدَّلِيلِ الْمَنْقُولِ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ أَيْ نَبَّهَكُمْ بِمَنْ مَضَى وَحَالِ مَنِ انْقَضَى فَإِنَّكُمْ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَكُمْ عِلْمٌ بِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ أُهْلِكَ لَكَانَ عِنَادُكُمْ أَخْفَى وَفَسَادُكُمْ أَخَفَّ، لَكِنْ أُمْهِلْتُمْ وَعُمِّرْتُمْ وَأُمِرْتُمْ عَلَى لِسَانِ الرُّسُلِ بِمَا أُمِرْتُمْ وَجُعِلْتُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ، أَيْ خَلِيفَةً بَعْدَ خَلِيفَةٍ تَعْلَمُونَ حَالَ الْمَاضِينَ وَتُصْبِحُونَ بِحَالِهِمْ رَاضِينَ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً لِأَنَّ الْكَافِرَ السَّابِقَ كَانَ مَمْقُوتًا كَالْعَبْدِ الَّذِي لَا يَخْدِمُ سَيِّدَهُ وَاللَّاحِقُ الَّذِي أَنْذَرَهُ الرَّسُولُ وَلَمْ يَنْتَبِهْ أَمْقَتُ كَالْعَبْدِ الَّذِي يَنْصَحُهُ النَّاصِحُ وَيَأْمُرُهُ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ وَيَعِدُهُ وَيُوعِدُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ النُّصْحُ وَلَا يُسْعِدُهُ وَالتَّالِي لَهُمُ الَّذِي رَأَى عَذَابَ مَنْ تَقَدَّمَ وَلَمْ يَخْشَ عَذَابُهُ أَمْقَتُ الْكُلِّ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً أَيِ الْكُفْرُ لَا يَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ حَيْثُ لَا يَزِيدُ إِلَّا الْمَقْتَ، وَلَا يَنْفَعُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَيْثُ لَا يُفِيدُهُمْ إِلَّا الْخَسَارَةَ، فَإِنَّ الْعُمْرَ كَرَأْسِ مَالٍ مَنِ اشْتَرَى بِهِ رِضَا اللَّهِ رَبِحَ، وَمَنِ اشْتَرَى بِهِ سُخْطَهُ خسر. ثم قال تعالى:

[[سورة فاطر (٣٥) : آية ٤٠]]

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠)

تَقْرِيرًا لِلتَّوْحِيدِ وَإِبْطَالًا لِلْإِشْرَاكِ، وَقَوْلُهُ: أَرَأَيْتُمْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَخْبِرُونِي، لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ يَسْتَدْعِي جَوَابًا، يَقُولُ الْقَائِلُ أَرَأَيْتَ مَاذَا فَعَلَ زَيْدٌ؟ فَيَقُولُ السَّامِعُ بَاعَ أَوِ اشْتَرَى، وَلَوْلَا تَضَمُّنُهُ مَعْنَى أَخْبِرْنِي وَإِلَّا لَمَا كَانَ الْجَوَابُ إِلَّا قَوْلَهُ لَا أَوْ نَعَمْ، وَقَوْلُهُ: شُرَكاءَكُمُ إِنَّمَا أَضَافَ الشُّرَكَاءَ إِلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْأَصْنَامَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>