للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِزَيْدٍ فَيَجْعَلُ الْمَسْؤُولَ مَفْعُولًا بِغَيْرِ حَرْفٍ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَالْمَقْصُودُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَيَانُ كَوْنِ الْعَبْدِ تَحْتَ تَصَرُّفِ اللَّهِ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ فِي الْبُؤْسِ وَالرَّخَاءِ، وَلَيْسَ الضُّرُّ بِمَقْصُودٍ بَيَانُهُ، كَيْفَ وَالْقَائِلُ مُؤْمِنٌ يَرْجُو الرَّحْمَةَ وَالنِّعْمَةَ بِنَاءً عَلَى إِيمَانِهِ بِحُكْمِ وَعْدِ اللَّهِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ مِنْ قَبْلُ الَّذِي فَطَرَنِي [يس: ٢٢] حَيْثُ جَعَلَ نَفْسَهُ مَفْعُولَ الْفِطْرَةِ فَكَذَلِكَ جَعَلَهَا مَفْعُولَ الْإِرَادَةِ وَذِكْرُ الضُّرِّ وَقَعَ تَبَعًا وَكَذَا الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ [الزُّمَرِ: ٣٨] الْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّهُ يَكُونُ كَمَا يُرِيدُ اللَّهُ وَلَيْسَ الضُّرُّ بِخُصُوصِهِ مَقْصُودًا بِالذِّكْرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزُّمَرِ: ٣٦] يَعْنِي هُوَ تَحْتَ إِرَادَتِهِ وَيَتَأَيَّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ بِالنَّظَرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً [الْأَحْزَابِ: ١٧] حَيْثُ خَالَفَ هَذَا النَّظْمَ وَجَعَلَ الْمَفْعُولَ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ السُّوءِ وَهُوَ كَالضُّرِّ وَالْمَفْعُولُ بِحَرْفٍ هُوَ الْمُكَلَّفُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ الضُّرِّ لِلتَّخْوِيفِ وَكَوْنُهُمْ مَحَلًّا لَهُ، وَكَيْفَ لَا وَهُمْ كَفَرَةٌ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ بِكُفْرِهِمْ فَجَعَلَ الضُّرَّ مَقْصُودًا بِالذِّكْرِ لِزَجْرِهِمْ، فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً [الأحزاب: ١٧] نقول المقصود ذلك، ويدل عليه قوله تعالى من بعده وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً [الْأَحْزَابِ: ١٧] وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرَّحْمَةَ تَتِمَّةً لِلْأَمْرِ بِالتَّقْسِيمِ الْحَاصِرِ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً

[الْفَتْحِ: ١١] فَإِنَّ الْكَلَامَ أَيْضًا مَعَ الْكُفَّارِ وَذِكْرُ النَّفْعِ وَقَعَ تَبَعًا لِحَصْرِ الْأَمْرِ بِالتَّقْسِيمِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً [الْفَتْحِ: ١١] فَإِنَّهُ لِلتَّخْوِيفِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سَبَأٍ: ٢٤] ، وَالْمَقْصُودُ إِنِّي عَلَى هُدًى وَأَنْتُمْ فِي ضَلَالٍ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لمنع مانع فقال بالتقسيم كذلك هاهنا/ الْمَقْصُودُ الضُّرُّ وَاقِعٌ بِكُمْ وَلِأَجْلِ دَفْعِ الْمَانِعِ قال الضر والنفع.

المسألة الثانية: قال هاهنا: إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ وَقَالَ فِي الزُّمَرِ: إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ [الزُّمَرِ: ٣٨] فَمَا الْحِكْمَةُ فِي اخْتِيَارِ صيغة الماضي هنالك واختيار صيغة المضارع هاهنا وَذِكْرِ الْمُرِيدِ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ هُنَا وَذِكْرِ الْمُرِيدِ بِاسْمِ اللَّهِ هُنَاكَ؟ نَقُولُ أَمَّا الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلُ فَإِنَّ إِنْ فِي الشَّرْطِ تُصَيِّرُ الْمَاضِيَ مُسْتَقْبَلًا وذلك لأن المذكور هاهنا مِنْ قَبْلُ بِصِيغَةِ الِاسْتِقْبَالِ فِي قَوْلِهِ: أَأَتَّخِذُ وقوله: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ [يس: ٢٢] وَالْمَذْكُورُ هُنَاكَ مِنْ قَبْلُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي فِي قوله: أَفَرَأَيْتُمْ [الزمر: ٣٨] وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ [الأنعام: ١٧] لِكَوْنِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ مَذْكُورًا بِصِيغَةِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ [الْأَنْعَامِ: ١٦] وَقَوْلُهُ: إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ [الْأَنْعَامِ: ١٥] وَالْحِكْمَةُ فِيهِ هُوَ أن الكفار كانوا يخرفون النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِضُرٍّ يُصِيبُهُ مِنْ آلِهَتِهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ صَدَرَ مِنْكُمُ التَّخْوِيفُ، وَهَذَا مَا سَبَقَ مِنْكُمْ، وهاهنا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ صَدَرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ لِلتَّقْرِيرِ، وَالْجَوَابُ مَا كَانَ يُمْكِنُ صُدُورُهُ مِنْهُمْ فَافْتَرَقَ الْأَمْرَانِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ هُنَاكَ: إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ [الزُّمَرِ: ٣٨] فَنَقُولُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْمَيْنِ الْمُخْتَصَّيْنِ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ اللَّهُ وَالرَّحْمَنُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الْإِسْرَاءِ: ١١٠] وَاللَّهُ لِلْهَيْبَةِ وَالْعَظَمَةِ وَالرَّحْمَنُ لِلرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَهُنَاكَ وُصِفَ اللَّهُ بِالْعِزَّةِ وَالِانْتِقَامِ فِي قَوْلِهِ:

أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ [الزُّمَرِ: ٣٧] وَذَكَرَ مَا يَدُلُّ على العظمة مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَظَمَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [العنكبوت: ٦١] فذكر الاسم الدال على العظمة وقال هاهنا مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ بِقَوْلِهِ: الَّذِي فَطَرَنِي [يس: ٢٢] فَإِنَّهُ نِعْمَةٌ هِيَ شَرْطُ سَائِرِ النِّعَمِ فَقَالَ: إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ ثُمَّ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>