للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَقَالَ فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الْإِنْسَانِ: ٢] ، الثَّانِي: قَالَ: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ [التَّوْبَةِ: ١٠٥] وَقَالَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ [النَّحْلِ: ٧٩] الثَّالِثُ: قَالَ: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا [هُودٍ: ٣٧] وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطُّورِ: ٤٨] وَقَالَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ [الْمَائِدَةِ: ٨٣] الرَّابِعُ: قَالَ لِإِبْلِيسَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧٥] وَقَالَ: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ [الْمَائِدَةِ: ٦٤] وَقَالَ: / فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [آل عمران: ١٨٢] ، ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ، [الْحَجِّ: ١٠] إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، [الْفَتْحِ: ١٠] الْخَامِسُ: قَالَ تَعَالَى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: ٥] وَقَالَ فِي الَّذِينَ يَرْكَبُونَ الدَّوَابَّ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ [الزُّخْرُفِ: ١٣] وَقَالَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هُودٍ: ٤٤] ، السَّادِسُ: سَمَّى نَفْسَهُ عَزِيزًا فَقَالَ: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ [الْحَشْرِ: ٢٣] ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الِاسْمَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ بقوله يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً [يُوسُفَ: ٧٨] ، يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ [يُوسُفَ: ٨٨] ، السَّابِعُ: سَمَّى نَفْسَهُ بِالْمَلِكِ وَسَمَّى بَعْضَ عَبِيدِهِ أَيْضًا بِالْمَلِكِ فَقَالَ: وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ [يُوسُفَ: ٥٠] وَسَمَّى نَفْسَهُ بِالْعَظِيمِ ثُمَّ أَوْقَعَ هَذَا الِاسْمَ عَلَى الْمَخْلُوقِ فَقَالَ: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التَّوْبَةِ: ١٢٩] وَسَمَّى نَفْسَهُ بِالْجَبَّارِ الْمُتَكَبِّرِ وَأَوْقَعَ هَذَا الِاسْمَ عَلَى الْمَخْلُوقِ فَقَالَ: كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غَافِرٍ: ٣٥] ثُمَّ طَوَّلَ فِي ضَرْبِ الْأَمْثِلَةِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَقَالَ وَمَنْ وَقَفَ عَلَى الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَمْكَنَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا، فَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ هَذَا الرَّجُلُ فِي هَذَا الْكِتَابِ.

وَأَقُولُ هَذَا الْمِسْكِينُ الْجَاهِلُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْمِثْلَيْنِ وَعُلَمَاءُ التَّوْحِيدِ حَقَّقُوا الْكَلَامَ فِي الْمِثْلَيْنِ ثُمَّ فَرَّعُوا عَلَيْهِ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَنَقُولُ الْمِثْلَانِ هُمَا اللَّذَانِ يَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَاهِيَّتِهِ، وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِيهِ مَسْبُوقٌ بِمُقَدِّمَةٍ أُخْرَى فَنَقُولُ: الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إِمَّا تَمَامُ مَاهِيَّتِهِ وَإِمَّا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مَاهِيَّتِهِ وَإِمَّا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّتِهِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ، وَإِمَّا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ وَهَذَا التَّقْسِيمُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ ذَاتِ الشَّيْءِ وَبَيْنَ الصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِهِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْبَدِيهَةِ، فَإِنَّا نَرَى الْحَبَّةَ مِنَ الْحُصْرُمِ كَانَتْ فِي غَايَةِ الْخُضْرَةِ وَالْحُمُوضَةِ ثُمَّ صَارَتْ فِي غَايَةِ السَّوَادِ وَالْحَلَاوَةِ، فَالذَّاتُ بَاقِيَةٌ وَالصِّفَاتُ مُخْتَلِفَةٌ وَالذَّاتُ الْبَاقِيَةُ مُغَايِرَةٌ لِلصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَأَيْضًا نَرَى الشَّعْرَ قَدْ كَانَ فِي غَايَةِ السَّوَادِ ثُمَّ صَارَ فِي غَايَةِ الْبَيَاضِ، فَالذَّاتُ بَاقِيَةٌ وَالصِّفَاتُ مُتَبَدِّلَةٌ وَالْبَاقِي غَيْرُ الْمُتَبَدِّلِ، فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الذَّوَاتَ مُغَايِرَةٌ لِلصِّفَاتِ. إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: اخْتِلَافُ الصِّفَاتِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الذَّوَاتِ الْبَتَّةَ، لِأَنَّا نَرَى الْجِسْمَ الْوَاحِدَ كَانَ سَاكِنًا ثُمَّ يَصِيرُ مُتَحَرِّكًا، ثُمَّ يَسْكُنُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالذَّوَاتُ بَاقِيَةٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ وَنَسَقٍ وَاحِدٍ، وَالصِّفَاتُ مُتَعَاقِبَةٌ مُتَزَايِلَةٌ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَاتِ وَالْأَعْرَاضِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الذَّوَاتِ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْأَجْسَامُ مِنْهَا تَأَلَّفَ وَجْهُ الْكَلْبِ وَالْقِرْدِ مُسَاوِيَةٌ لِلْأَجْسَامِ الَّتِي تَأَلَّفَ مِنْهَا وَجْهُ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَإِنَّمَا حَصَلَ الِاخْتِلَافُ بِسَبَبِ الْأَعْرَاضِ الْقَائِمَةِ وَهِيَ الْأَلْوَانُ وَالْأَشْكَالُ وَالْخُشُونَةُ وَالْمَلَاسَةُ وَحُصُولُ الشُّعُورِ فِيهِ وَعَدَمُ حُصُولِهَا، فَالِاخْتِلَافُ إِنَّمَا وَقَعَ بِسَبَبِ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَاتِ وَالْأَعْرَاضِ، فَأَمَّا ذَوَاتُ الْأَجْسَامِ فَهِيَ مُتَمَاثِلَةٌ إِلَّا أَنَّ الْعَوَامَّ لَا يَعْرِفُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ الصِّفَاتِ، فَلَا جَرَمَ يَقُولُونَ إِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>