للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْمُعْجِزَاتِ وَبِالشَّرَائِعِ الْبَيِّنَاتِ الْوَاضِحَاتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَهِيَ مَعْرِفَةُ ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ يَعْنِي أَنَّ قَوْمَ مُوسَى كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ مِنْ أَحْكَامِ التَّكَالِيفِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَشْيَاءَ فَجَاءَ عِيسَى لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الْحَقَّ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحِكْمَةُ مَعْنَاهَا أُصُولُ الدِّينِ وَبَعْضُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مَعْنَاهُ فُرُوعُ الدِّينِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ كُلَّ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ؟ قُلْنَا لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي أَشْيَاءَ لَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى مَعْرِفَتِهَا، فَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ بَيَانُهَا، وَلَمَّا بَيَّنَ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي الْكُفْرِ بِهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ دِينِهِ وَأَطِيعُونِ فِيمَا أُبَلِّغُهُ إِلَيْكُمْ مِنَ التَّكَالِيفِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ وَالْمَعْنَى ظَاهِرٌ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ أَيِ الْفِرَقُ الْمُتَحَزِّبَةُ بَعْدَ عِيسَى وَهُمُ الْمَلَكَانِيَّةُ وَالْيَعْقُوبِيَّةُ وَالنُّسْطُورِيَّةُ، وَقِيلَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ وَهُوَ وَعِيدٌ بِيَوْمِ الْأَحْزَابِ، فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ مِنْ بَيْنِهِمْ الضَّمِيرُ فِيهِ إِلَى مَنْ يَرْجِعُ؟ قُلْنَا إِلَى الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ عِيسَى فِي قَوْلِهِ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَهُمْ قَوْمُهُ.

ثُمَّ قَالَ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَوْلُهُ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَدَلٌ مِنَ السَّاعَةِ وَالْمَعْنَى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا إِتْيَانَ السَّاعَةِ. فَإِنْ قَالُوا قَوْلُهُ بَغْتَةً يُفِيدُ عَيْنَ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِيهِ؟ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ يعرفونه بسبب أنهم يشاهدونه.

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٧ الى ٧٣]

الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يَا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١)

وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً [الزخرف: ٦٦] ذَكَرَ عَقِيبَهُ بَعْضَ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ فأولها: قَوْلُهُ تَعَالَى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ وَالْمَعْنَى الْأَخِلَّاءُ فِي الدُّنْيَا يَوْمَئِذٍ يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ يَعْنِي أَنَّ الْخُلَّةَ إِذَا كَانَتْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْرِ صَارَتْ عَدَاوَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْمُتَّقِينَ يَعْنِي الْمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ يُخَالِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، فَإِنَّ خُلَّتَهُمْ لَا تَصِيرُ عَدَاوَةً، وَلِلْحُكَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ طَرِيقٌ حَسَنٌ، قَالُوا إِنَّ الْمَحَبَّةَ أَمْرٌ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ اعْتِقَادِ حُصُولِ خَيْرٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ، فَمَتَى حَصَلَ هَذَا الِاعْتِقَادُ حَصَلَتِ الْمَحَبَّةُ لَا مَحَالَةَ، وَمَتَى حَصَلَ اعْتِقَادُ أَنَّهُ يُوجِبُ ضَرَرًا حَصَلَ الْبُغْضُ وَالنَّفْرَةُ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: تِلْكَ الْخَيْرَاتُ الَّتِي كَانَ اعْتِقَادُ حُصُولِهَا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَحَبَّةِ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَابِلَةً لِلتَّغَيُّرِ وَالتَّبَدُّلِ، أَوْ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ، وَجَبَ أَنْ تُبَدَّلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>