للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُغَايَرَةَ، فَقَوْلُهُ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ غَيْرُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ بَلْ ظَنَنْتُمْ وَحِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الظَّنُّ الثَّانِي مَعْنَاهُ: وَظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ يُخْلِفُ وَعْدَهُ، أَوْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ الرَّسُولَ كَاذِبٌ فِي قَوْلِهِ وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ظَنِّ أَنْ لَا يَنْقَلِبُوا، وَيَكُونُ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الْقَائِلِ: عَلِمْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَعَلِمْتُ كَذَا، أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا غَيْرُهَا، وَذَلِكَ كَأَنَّهُ قَالَ: بَلْ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ. وَظَنُّكُمْ ذَلِكَ فَاسِدٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا التَّحْقِيقَ فِي ظَنِّ السُّوءِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: وَصِرْتُمْ بِذَلِكَ الظَّنِّ بَائِرِينَ هَالِكِينَ وثانيها: أَنْتُمْ فِي الْأَصْلِ بَائِرُونَ وَظَنَنْتُمْ ذَلِكَ الظَّنَّ الفاسد. ثم قال تعالى:

[[سورة الفتح (٤٨) : آية ١٣]]

وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣)

عَلَى قَوْلِنَا: وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ [الفتح: ١٢] ظَنٌّ آخَرُ غَيْرُ مَا فِي قَوْلِهِ بَلْ ظَنَنْتُمْ ظَاهِرٌ، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ يُخْلِفُ وَعْدَهُ أَوْ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ الرَّسُولَ كَاذِبٌ فَقَالَ: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَظُنُّ بِهِ خُلْفًا وَبِرَسُولِهِ كَذِبًا فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لَهُ سَعِيرًا، وَفِي قَوْلِهِ لِلْكافِرِينَ بَدَلًا عَنْ أَنْ يَقُولَ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لَهُ/ فَائِدَةٌ وَهِيَ التَّعْمِيمُ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَهُوَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَإِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين سعيرا. ثم قال تعالى:

[[سورة الفتح (٤٨) : آية ١٤]]

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤)

بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَنْ لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُبَايِعِينَ وَمِنْ لَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ مِنَ الظَّانِّينَ الضَّالِّينَ، أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يَغْفِرُ لِلْأَوَّلِينَ بِمَشِيئَتِهِ وَيُعَذِّبُ الْآخِرِينَ بِمَشِيئَتِهِ، وَغُفْرَانُهُ وَرَحْمَتُهُ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ وَأَتَمُّ وَأَكْمَلُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُفِيدُ عَظَمَةَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ مِنْ عِظَمِ مُلْكِهِ يَكُونُ أَجْرُهُ وَهِبَتُهُ فِي غَايَةِ الْعِظَمِ وَعَذَابُهُ وَعُقُوبَتُهُ كَذَلِكَ فِي غَايَةِ النكال والألم.

[[سورة الفتح (٤٨) : آية ١٥]]

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥)

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ.

أَوْضَحَ اللَّهُ كذبهم بهذا حيث كانوا عند ما يَكُونُ السَّيْرُ إِلَى مَغَانِمَ يَتَوَقَّعُونَهَا يَقُولُونَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ فَإِذَا كَانَ أَمْوَالُهُمْ وَأَهْلُوهُمْ شَغَلَتْهُمْ يَوْمَ دَعْوَتِكُمْ إِيَّاهُمْ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَمَا بَالُهُمْ لَا يَشْتَغِلُونَ بِأَمْوَالِهِمْ يَوْمَ الْغَنِيمَةِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْمَغَانِمِ مَغَانِمُ أَهْلِ خَيْبَرَ وَفَتْحُهَا وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَدِينَةِ، وَفِي قَوْلِهِ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ وَعَدَ الْمُبَايِعِينَ الْمُوَافِقِينَ بِالْغَنِيمَةِ وَالْمُتَخَلِّفِينَ الْمُخَالِفِينَ بِالْحِرْمَانِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ.

يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحَدُهَا: هُوَ مَا قَالَ اللَّهُ إِنَّ غَنِيمَةَ خَيْبَرَ لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَعَاهَدَ بِهَا لَا غَيْرُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ، وَالْأَظْهَرُ نَظَرًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ، ثَانِيهَا: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح: ٦] وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَوِ اتَّبَعُوكُمْ لَكَانُوا فِي حُكْمِ بَيْعَةِ أَهْلِ الرِّضْوَانِ الْمَوْعُودِينَ بِالْغَنِيمَةِ فَيَكُونُونَ مِنَ الَّذِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ

<<  <  ج: ص:  >  >>