للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْكَهْفِ: ٢٣، ٢٤] الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الدُّخُولَ لَمَّا لَمْ يَقَعْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يُرِيدُونَ الدُّخُولَ وَيَأْبَوْنَ الصُّلْحَ قَالَ: لَتَدْخُلُنَّ وَلَكِنْ لَا بِجَلَادَتِكُمْ وَلَا بِإِرَادَتِكُمْ، إِنَّمَا تَدْخُلُونَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى الثَّالِثُ: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ فِي الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَدْخُلُنَّ ذَكَرَ أَنَّهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ وَعْدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَا حَقٌّ وَاجِبٌ، وَمَنْ وَعَدَ بِشَيْءٍ لَا يُحَقِّقُهُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا يُلْزِمُهُ بِهِ أَحَدٌ، وَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ الْمَوْعُودِ بِهِ فِي الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ صَرِيحًا فِي الْيَقَظَةِ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالْوَحْيِ بِالْمَنَامِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ الْكَلَامُ، فَإِذَا تَأَخَّرَ الدُّخُولُ لِمَ يَسْتَهْزِئُونَ؟ الرَّابِعُ: هُوَ أَنَّ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِلدُّخُولِ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَالُوا لَا تَدْخُلُوهَا إِلَّا بِإِرَادَتِنَا وَلَا نُرِيدُ دُخُولَكُمْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَنَخْتَارُ دُخُولَكُمْ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، وَالْمُؤْمِنُونَ أَرَادُوا الدُّخُولَ فِي عَامِهِمْ وَلَمْ يَقَعْ. فَكَانَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بَقِيَ الْأَمْرُ مَوْقُوفًا عَلَى مَشِيئَةِ أَهْلِ مَكَّةَ إِنْ أَرَادُوا فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ يَتْرُكُونَنَا نَدْخُلُهَا وَإِنْ كَرِهُوا لَا نَدْخُلُهَا فَقَالَ لَا تُشْتَرَطُ إِرَادَتُهُمْ وَمَشِيئَتُهُمْ، بَلْ تَمَامُ الشَّرْطِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وقوله مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّكُمْ تُتِمُّونَ الْحَجَّ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، فَقَوْلُهُ لَتَدْخُلُنَّ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ مُحَلِّقِينَ إِشَارَةٌ إِلَى الْآخَرِ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مُحَلِّقِينَ حَالُ الداخلين والداخل لا يكون الآن مُحْرِمًا، وَالْمُحْرِمُ لَا يَكُونُ مُحَلِّقًا، فَقَوْلُهُ آمِنِينَ يُنْبِئُ عَنِ الدَّوَامِ فِيهِ إِلَى الْحَلْقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: تَدْخُلُونَهَا آمِنِينَ مُتَمَكِّنِينَ مِنْ أَنْ تُتِمُّوا الْحَجَّ مُحَلِّقِينَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَخافُونَ أَيْضًا حَالٌ مَعْنَاهُ غَيْرُ خَائِفِينَ، وَذَلِكَ حَصَلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:

آمِنِينَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي إِعَادَتِهَا؟ نَقُولُ: فِيهِ بَيَانُ كَمَالِ الْأَمْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْدَ الْحَلْقِ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ عَنِ الْإِحْرَامِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِتَالُ، وَكَانَ عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ يَحْرُمُ قِتَالُ مَنْ أَحْرَمَ وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ فَقَالَ: تَدْخُلُونَ آمِنِينَ، وَتُحَلِّقُونَ، وَيَبْقَى أَمْنُكُمْ بَعْدَ خُرُوجِكُمْ عَنِ الْإِحْرَامِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَيْ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَكَوْنِ دُخُولِكُمْ فِي سَنَتِكُمْ سَبَبًا لِوَطْءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ/ أَوْ فَعَلِمَ لِلتَّعْقِيبِ، فَعَلِمَ وَقَعَ عَقِيبَ مَاذَا؟

نَقُولُ إِنْ قُلْنَا الْمُرَادُ مِنْ فَعَلِمَ وَقْتُ الدُّخُولِ فَهُوَ عَقِيبَ صَدَقَ، وَإِنْ قُلْنَا الْمُرَادُ فَعَلِمَ الْمَصْلَحَةَ فَالْمَعْنَى عِلْمُ الْوُقُوعِ وَالشَّهَادَةِ لَا عِلْمُ الْغَيْبِ، وَالتَّقْدِيرُ يَعْنِي حَصَلَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَجَدِّدَةِ فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً إِمَّا صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَإِمَّا فَتْحُ خَيْبَرَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً يَدْفَعُ وَهْمَ حُدُوثِ عِلْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ فَعَلِمَ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً يُفِيدُ سَبْقَ عِلْمِهِ الْعَامِّ لكل علم محدث.

[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩)

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً.

<<  <  ج: ص:  >  >>