للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمُلْكِ: ٨، ٩] فَنَقُولُ الْمُؤْمِنُ لَا يُلْقَى فِيهَا إِلْقَاءً بهوان، وإنما يدخل فيها ليظهر إِدْخَالٌ مَعَ نَوْعِ إِكْرَامٍ، فَكَذَلِكَ الْوَيْلُ لِلْمُكَذِّبِينَ، وَالْوَيْلُ يُنْبِئُ عَنِ الشِّدَّةِ وَتَرْكِيبُ حُرُوفِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَاللَّامِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ نَوْعِ شِدَّةٍ، مِنْهُ لَوَى إِذَا دَفَعَ وَلَوَى يَلْوِي إِذَا كَانَ قَوِيًّا وَالْوَلِيُّ فِيهِ الْقُوَّةُ عَلَى الْمَوْلَى عليه، ويدل عليه قوله تعالى: يُدَعُّونَ [الطور: ١٣] فَإِنَّ الْمُكَذِّبَ يُدَعُّ وَالْمُصَدِّقُ لَا يُدَعُّ، وَقَدْ ذكرنا جواز التنكير في قوله فَوَيْلٌ مَعَ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً لِأَنَّهُ فِي تَقْدِيرِ الْمَنْصُوبِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَمَضَى، وَجْهُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ سَلامٌ [الذاريات: ٢٥] وَالْخَوْضُ نَفْسُهُ خُصَّ فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ بِالِانْدِفَاعِ فِي الْأَبَاطِيلِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا [التَّوْبَةِ: ٦٩] وَقَالَ تَعَالَى: وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ [الْمُدَّثِّرِ: ٤٥] وَتَنْكِيرُ الْخَوْضِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِلتَّكْثِيرِ أَيْ فِي خَوْضٍ كَامِلٍ عَظِيمٍ ثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ التَّنْوِينُ تَعْوِيضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

إِلًّا [التوبة: ٨] وقوله وَإِنَّ كُلًّا [هود: ١١١] وبَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [البقرة: ٢٥١] . وَالْأَصْلُ فِي خَوْضِهِمُ الْمَعْرُوفُ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ لَيْسَ وَصْفًا لِلْمُكَذِّبِينَ بِمَا يُمَيِّزُهُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلذَّمِّ كَمَا أَنَّكَ تَقُولُ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ/ وَلَا تُرِيدُ فَصْلَهُ عَنِ الشَّيْطَانِ الَّذِي لَيْسَ بِرَجِيمٍ بِخِلَافِ قَوْلِكَ أَكْرِمِ الرَّجُلَ الْعَالِمَ، فَالْوَصْفُ بِالرَّجِيمِ لِلذَّمِّ بِهِ لَا لِلتَّعْرِيفِ وَتَقُولُ فِي الْمَدْحِ: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ، وَاللَّهُ الْعَظِيمُ لِلْمَدْحِ لَا لِلتَّمْيِيزِ وَلَا لِلتَّعْرِيفِ عَنْ إِلَهٍ لَمْ يَخْلُقْ أَوْ إِلَهٍ لَيْسَ بِعَظِيمٍ، فإن الله واحد لا غير.

[[سورة الطور (٥٢) : آية ١٣]]

يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣)

وفيه مَبَاحِثُ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ. أَمَّا اللَّفْظِيَّةُ فَفِيهَا مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يَوْمَ مَنْصُوبٌ بِمَاذَا؟ نَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:

هذِهِ النَّارُ [الطُّورِ: ١٤] تَقْدِيرُهُ يَوْمَ يُدَعُّونَ يُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ بَدَلًا عَنْ يَوْمَ فِي يومئذ تقريره فويل يومئذ للمكذبين ويوم يوعدون أَيِ الْمُكَذِّبُونَ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ يَوْمَئِذٍ [الطُّورِ: ١١] مَعْنَاهُ يَوْمَ يَقَعُ الْعَذَابُ وَذَلِكَ الْيَوْمُ هُوَ يوم يوعدون فِيهِ إِلَى النَّارِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ يُدَعُّونَ إلى النار يَدُلُّ عَلَى هَوْلِ نَارِ جَهَنَّمَ، لِأَنَّ خَزَنَتَهَا لَا يَقْرَبُونَ مِنْهَا وَإِنَّمَا يَدْفَعُونَ أَهْلَهَا إِلَيْهَا مِنْ بَعِيدٍ وَيُلْقُونَهُمْ فِيهَا وَهُمْ لَا يَقْرَبُونَهَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: دَعًّا مَصْدَرٌ، وَقَدْ ذَكَرْتُ فَائِدَةَ ذِكْرِ الْمَصَادِرِ وَهِيَ الْإِيذَانُ بِأَنَّ الدَّعَّ دَعٌّ مُعْتَبَرٌ يُقَالُ لَهُ دَعٌّ وَلَا يُقَالُ فِيهِ لَيْسَ بِدَعٍّ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ فِي الضَّرْبِ الْخَفِيفِ مُسْتَحْقِرًا لَهُ: هَذَا لَيْسَ بِضَرْبٍ وَالْعَدُوِّ الْمَهِينِ:

هَذَا لَيْسَ بِعَدُوٍّ فِي غَيْرِ الْمَصَادِرِ، وَالرَّجُلِ الْحَقِيرِ لَيْسَ بِرَجُلٍ إِلَّا عَلَى قِرَاءَةِ من قرأ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا فَإِنَّ دُعَاءً حِينَئِذٍ يَكُونُ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ تَقْدِيرُهُ يُقَالُ لَهُمْ هَلُمُّوا إِلَى النَّارِ مَدْعُوِّينَ إِلَيْهَا.

أَمَّا الْمَعْنَوِيَّةُ فَنَقُولُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَزَنَتَهَا يَقْذِفُونَهُمْ فِيهَا وَهُمْ بُعَدَاءُ عَنْهَا، وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ [الْقَمَرِ: ٤٨] نَقُولُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَسْحَبُونَهُمْ فِي النَّارِ ثُمَّ إِذَا قَرُبُوا مِنْ نَارٍ مَخْصُوصَةٍ هِيَ نَارُ جَهَنَّمَ يَقْذِفُونَهُمْ فِيهَا مِنْ بَعِيدٍ فَيَكُونُ السَّحْبُ فِي النَّارِ وَالدَّفْعُ فِي نَارٍ أَشَدَّ وَأَقْوَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غَافِرٍ: ٧١، ٧٢] أَيْ يَكُونُ لَهُمْ سَحْبٌ فِي حَمْوَةِ النَّارِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُمْ إِدْخَالٌ الثَّانِي: جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>