للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ هَذِهِ الآيات مثل قوله تعالى: فَأَعْرِضْ [النساء: ٦٣] وتَوَلَّ عَنْهُمْ [الصَّافَّاتِ: ١٧٨] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ كُلُّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثَانِيهَا: لَيْسَ الْمُرَادُ الْأَمْرَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّهْدِيدُ كَمَا يَقُولُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْجَانِي لِمَنْ يَنْصَحُهُ دَعْهُ فَإِنَّهُ سَيَنَالُ وَبَالَ جِنَايَتِهِ ثَالِثُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يُعَانِدُ وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو الْخَلْقَ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخِطَابِ مَنْ لَمْ يَظْهَرْ عِنَادُهُ لَا مَنْ ظَهَرَ عِنَادُهُ فَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ فِي حَقِّهِ فَذَرْهُمْ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ مِنْ قَبْلُ فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [الطُّورِ: ٢٩] وَقَالَ هَاهُنَا فَذَرْهُمْ فَمَنْ يَذْكُرُهُمْ هُمُ الْمُشْفِقُونَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ [الطُّورِ: ٢٦] وَمَنْ يَذَرُهُمُ الَّذِينَ قَالُوا شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطُّورِ: ٣٠] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حَتَّى لِلْغَايَةِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ذَرْهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا تُكَلِّمْهُمْ ثُمَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ تُجَدِّدُ الْكَلَامَ وَتَقُولُ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ وَإِنَّ الْحِسَابَ يَقُومُ وَالْعَذَابَ يَدُومُ فَلَا تُكَلِّمْهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ ثُمَّ كَلِّمْهُمْ لِتُعْلِمَهُمْ ثَانِيهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَتَّى الْغَايَةُ الَّتِي يُسْتَعْمَلُ فِيهَا اللَّامُ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لَا تُطْعِمْهُ حَتَّى يَمُوتَ أَيْ لِيَمُوتَ، لِأَنَّ اللَّامَ الَّتِي لِلْغَرَضِ عِنْدَهَا يَنْتَهِي الْفِعْلُ الَّذِي لِلْغَرَضِ فَيُوجَدُ فِيهَا مَعْنَى الْغَايَةِ وَمَعْنَى التَّعْلِيلِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْكَلِمَتَيْنِ فِيهَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الْحِجْرِ: ٩٩] هَذَا أَيْ إِلَى أَنْ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ، فَإِنْ قِيلَ فَمَنْ لَا يَذَرُهُ أَيْضًا يُلَاقِي ذَلِكَ الْيَوْمَ، نَقُولُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ يُصْعَقُونَ يُهْلَكُونَ فَالْمُذَكِّرُ الْمُشْفِقُ لَا يَهْلِكُ وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزُّمَرِ: ٦٨] وقذ ذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ مَنِ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ وَعَلِمَ أَنَّ يَوْمَ الْحِسَابِ كَائِنٌ فَإِذَا وَقَعَتِ الصَّيْحَةُ يَكُونُ كَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الرَّعْدَ يَرْعَدُ وَيَسْتَعِدُّ لِسَمَاعِهِ، وَمَنْ لَا يَعْلَمُ يَكُونُ كَالْغَافِلِ، فَإِذَا وَقَعَتِ الصَّيْحَةُ ارْتَجَفَ الْغَافِلُ وَلَمْ يَرْتَجِفِ الْعَالِمُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّوَعُّدُ بِمُلَاقَاةِ يَوْمِهِمْ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُلَاقِي يَوْمَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِمُلَاقَاةِ يَوْمِهِمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ، أَيِ الْيَوْمِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ [الْقَلَمِ: ٤٩] فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ لَيْسَ النَّبْذَ بِالْعَرَاءِ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ [الصَّافَّاتِ: ١٤٥] وَإِنَّمَا الْمَنْفِيُّ النَّبْذُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ مَذْمُومًا وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: حَتَّى يُنْصَبُ مَا بَعْدَهَا مِنَ الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ تَارَةً وَيُرْفَعُ أُخْرَى وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا كَانَ مُسْتَقْبَلًا مُنْتَظَرًا لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ يُنْصَبُ تَقُولُ تَعَلَّمْتُ الْفِقْهَ حَتَّى تَرْتَفِعَ دَرَجَتِي فَإِنَّكَ تَنْتَظِرُهُ وَإِنْ كَانَ حَالًا يُرْفَعُ تَقُولُ أُكَرِّرُ حَتَّى تَسْقُطُ قُوَّتِي ثُمَّ أَنَامُ، وَالسَّبَبُ فِيهِ هُوَ أَنَّ حَتَّى الْمُسْتَقْبَلِ لِلْغَايَةِ وَلَامَ التَّعْلِيلِ لِلْغَرَضِ وَالْغَرَضُ غَايَةُ الْفِعْلِ، تقول لم تبنى الدار يقول للسكنى أنصار قَوْلُهُ حَتَّى تُرْفَعَ كَقَوْلِهِ لِأَرْفَعَ وَفِيهِمَا إِضْمَارُ أَنْ، فَإِنْ قِيلَ مَا قُلْتَ شَيْئًا وَمَا ذَكَرْتَ السَّبَبَ فِي النَّصْبِ عِنْدَ إِرَادَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَالرَّفْعِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَالِ، نَقُولُ الْفِعْلُ الْمُسْتَقْبَلُ إذا كان منتظرا وكان/ تصب الْعَيْنِ وَمَنْصُوبًا لَدَى الذِّهْنِ يَرْقُبُهُ يُفْعَلُ بِلَفْظِهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْإِضَافَةِ أَنَّ الْمُضَافَ لَمَّا جَرَّ أَمْرًا إِلَى أَمْرٍ فِي الْمَعْنَى جُزِّءَ فِي اللَّفْظِ، وَالَّذِي يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْفِعْلَ إِنَّمَا يُنْصَبُ بِأَنْ وَلَنْ وَكَيْ وَإِذَنْ، وَخُلُوصُ الْفِعْلِ لِلِاسْتِقْبَالِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَازِمٌ وَالْحَرْفُ الَّذِي يَجْعَلُ الْفِعْلَ لِلْحَالِ يَمْنَعُ النَّصْبَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ إِنَّ فُلَانًا لَيَضْرِبَ فَإِنْ قِيلَ: السِّينُ وَسَوْفَ مَعَ أَنَّهُمَا يُخَلِّصَانِ الْفِعْلَ لِلِاسْتِقْبَالِ لَا يَنْصِبَانِ وَيَمْنَعَانِ النَّصْبَ بِالنَّاصِبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى

<<  <  ج: ص:  >  >>