للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة النجم (٥٣) : آية ٤٩]]

وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩)

إِشَارَةٌ إِلَى فَسَادِ قَوْلِ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْفَقْرَ وَالْغِنَى بِكَسْبِ الْإِنْسَانِ وَاجْتِهَادِهِ فَمَنْ كَسَبَ اسْتَغْنَى، وَمَنْ كَسِلَ افْتَقَرَ وَبَعْضَهُمْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ بِالْبَخْتِ، وَذَلِكَ بِالنُّجُومِ، فَقَالَ:

هُوَ أَغْنى وَأَقْنى وَإِنَّ قَائِلَ الْغِنَى بِالنُّجُومِ غَالِطٌ، فَنَقُولُ هُوَ رَبُّ النُّجُومِ وَهُوَ مُحَرِّكُهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُوَ رَبُّ الشِّعْرى وَقَوْلُهُ: هُوَ/ رَبُّ الشِّعْرى لِإِنْكَارِهِمْ ذَلِكَ أُكِّدَ بِالْفَصْلِ، وَالشِّعْرَى نَجْمٌ مُضِيءٌ، وَفِي النُّجُومِ شِعْرَيَانِ إِحْدَاهُمَا شَامِيَّةٌ وَالْأُخْرَى يَمَانِيَّةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ المراد اليمانية لأنهم كانوا يعبدونها. ثم قال تعالى:

[[سورة النجم (٥٣) : آية ٥٠]]

وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى (٥٠)

لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ: أَغْنى وَأَقْنى [النجم: ٤٨] وَكَانَ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللَّهِ لَا بِعَطَاءِ الشِّعْرَى وَجَبَ الشُّكْرُ لِمَنْ قَدْ أَهْلَكَ وَكَفَى لَهُمْ دليلا حال عاد وثمود وغيرهم. وعاداً الْأُولى قِيلَ: بِالْأُولَى تَمَيَّزَتْ مِنْ قَوْمٍ كَانُوا بِمَكَّةَ هُمْ عَادٌ الْآخِرَةُ، وَقِيلَ: الْأُولَى لِبَيَانِ تَقَدُّمِهِمْ لَا لِتَمْيِيزِهِمْ، تَقُولُ: زَيْدٌ الْعَالِمُ جَاءَنِي فَتَصِفُهُ لَا لِتُمَيِّزَهُ وَلَكِنْ لِتُبَيِّنَ عِلْمَهُ، وَفِيهِ قِرَاءَاتٌ عَادًا الْأُولَى بِكَسْرِ نُونِ التَّنْوِينِ لِالْتِقَاءِ الساكنين، وعاد الْأُولَى بِإِسْقَاطِ نُونِ التَّنْوِينِ أَيْضًا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كقراءة عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: ٣٠] وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:

١، ٢] وعاداً الْأُولى بِإِدْغَامِ النُّونِ فِي اللَّامِ وَنَقْلِ ضَمَّةِ الْهَمْزَةِ إلى اللام وعاد الؤلي بهمزة الواو وقرأ هذا القارئ عَلى سُوقِهِ وَدَلِيلُهُ ضَعِيفٌ وَهُوَ يَحْتَمِلُ هَذَا فِي مَوْضِعِ الْمُوقَدَةُ ومُؤْصَدَةٌ لِلضَّمَّةِ وَالْوَاوُ فَهِيَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تُجْزِي عَلَى الْهَمْزَةِ، وَكَذَا فِي (سُؤْقِهِ) لِوُجُودِ الْهَمْزَةِ فِي الْأَصْلِ، وَفِي مُوسَى وَقَوْلُهُ لَا يَحْسُنُ. ثم قال تعالى:

[[سورة النجم (٥٣) : آية ٥١]]

وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١)

يَعْنِي وَأَهْلَكَ ثَمُودَ وَقَوْلُهُ: فَما أَبْقى عَائِدٌ إِلَى عَادٍ وَثَمُودَ أَيْ فَمَا أَبْقَى عَلَيْهِمْ، وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَالَ: فَمَا أَبْقَاهُمْ أَيْ فَما أَبْقى مِنْهُمْ أَحَدًا وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ [الحافة: ٨] وَتَمَسَّكَ الْحَجَّاجُ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ ثَقِيفًا من ثمود بقوله تعالى: فَما أَبْقى.

[[سورة النجم (٥٣) : آية ٥٢]]

وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢)

وَقَوْمَ نُوحٍ أَيْ أَهْلَكَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَالْمَسْأَلَةُ مشهورة في قبل وبعد تُقْطَعُ عَنِ الْإِضَافَةِ فَتَصِيرُ كَالْغَايَةِ فَتُبْنَى عَلَى الضَّمَّةِ. أَمَّا الْبِنَاءُ فَلِتَضَمُّنَهُ الْإِضَافَةَ، وَأَمَّا عَلَى الضَّمَّةِ فَلِأَنَّهَا لَوْ بُنِيَتْ عَلَى الْفُتْحَةِ لَكَانَ قَدْ أَثْبَتَ فِيهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْإِعْرَابِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا ظُرُوفُ زَمَانٍ فَتَسْتَحِقُّ النَّصْبَ وَالْفَتْحَ مِثْلَهُ، وَلَوْ بُنِيَتْ عَلَى الْكَسْرِ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْإِعْرَابُ وَهُوَ الْجَرُّ بِالْجَارِّ فَبُنِيَ عَلَى مَا يُخَالِفُ حَالَتَيْ إِعْرَابِهَا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى أَمَّا الظُّلْمُ فَلِأَنَّهُمْ هُمُ الْبَادِئُونَ بِهِ الْمُتَقَدِّمُونَ فِيهِ

«وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا»

وَالْبَادِئُ أَظْلَمُ، وَأَمَا أَطْغَى فَلِأَنَّهُمْ سَمِعُوا الْمَوَاعِظَ وَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>