للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَسُولِهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتِ الْمُشَاقَّةُ عِلَّةً لِهَذَا التَّخْرِيبِ لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ: أَيْنَمَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْمُشَاقَّةُ حَصَلَ التَّخْرِيبُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، قُلْنَا: هَذَا أَحَدُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهَا.

ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ والمقصود منه الزجر.

[[سورة الحشر (٥٩) : آية ٥]]

مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥)

فِيهِ مسائل:

المسألة الأولى: مِنْ لِينَةٍ بيان ل ما قَطَعْتُمْ، ومحل (ما) نصب بقطعتم، كأنه قال: أي شيء قطعتم، وأنت الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ: أَوْ تَرَكْتُمُوها لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اللِّينَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: اللِّينَةُ النَّخْلَةُ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنِيَّةً، وَأَصْلُ لِينَةٍ لِوْنَةٌ، فَذَهَبَتِ الْوَاوُ لِكَسْرَةِ اللَّامِ، وَجَمْعُهَا أَلْوَانٌ، وَهِيَ النَّخْلُ كُلُّهُ سِوَى الْبَرْنِيِّ وَالْعَجْوَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اللِّينَةُ النَّخْلَةُ الْكَرِيمَةُ، كَأَنَّهُمُ اشْتَقُّوهَا مِنَ اللِّينِ وَجَمْعُهَا لِينٌ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ خُصَّتِ اللِّينَةُ بِالْقَطْعِ؟ قُلْنَا: إِنْ كَانَتْ مِنَ الْأَلْوَانِ فَلْيَسْتَبْقُوا لِأَنْفُسِهِمُ الْعَجْوَةَ وَالْبَرْنِيَّةَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ كِرَامِ النَّخْلِ فَلِيَكُونَ غَيْظُ الْيَهُودِ أَشَدَّ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قال صاحب «الكاشف» : قُرِئَ قَوْمًا عَلَى أُصُلِهَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَمْعُ أَصْلٍ كَرَهْنٍ وَرُهُنٍ، وَاكْتُفِيَ فِيهِ بالضمة عن الواو، وقرئ قائما على أصول، ذَهَابًا إِلَى لَفْظِ مَا، وَقَوْلُهُ: فَبِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ قَطْعُهَا بِإِذْنِ اللَّه وَبِأَمْرِهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ أَيْ وَلِأَجْلِ إِخْزَاءِ الْفَاسِقِينَ، أَيِ الْيَهُودِ أَذِنَ اللَّه فِي قَطْعِهَا.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ أَمَرَ أَنْ يُقْطَعَ نَخْلُهُمْ وَيُحْرَقُ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ قَدْ كُنْتَ تَنْهَى عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَمَا بَالُ قَطْعِ النَّخْلِ وَتَحْرِيقِهَا؟. وَكَانَ فِي أَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ،

وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّه إِنَّمَا أَذِنَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَزْدَادَ غَيْظُ الْكُفَّارِ، وَتَتَضَاعَفَ حَسْرَتُهُمْ بِسَبَبِ نَفَاذِ حُكْمِ أَعْدَائِهِمْ فِي أَعَزِّ أَمْوَالِهِمْ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: احْتَجَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ حُصُونَ الْكَفَرَةِ وَدِيَارَهُمْ لَا بَأْسَ أَنْ تُهْدَمَ وَتُحْرَقَ وتغرق وترمى بالمجانيق، وكذلك أشجار هم لَا بَأْسَ بِقَلْعِهَا مُثْمِرَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُثْمِرَةٍ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَطَعُوا مِنْهَا مَا كَانَ مَوْضِعًا لِلْقِتَالِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:

رُوِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا يَقْطَعَانِ أَحَدُهُمَا الْعَجْوَةَ، وَالْآخَرُ اللَّوْنَ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ هَذَا: تَرَكْتُهَا لِرَسُولِ اللَّه، وَقَالَ هَذَا: قَطَعْتُهَا غَيْظًا لِلْكَفَّارِ،

فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ الاجتهاد، وعلى جوازه بحضرة الرسول.

[[سورة الحشر (٥٩) : آية ٦]]

وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦)

قَالَ الْمُبَرِّدُ: يُقَالُ فَاءَ يَفِيءُ إِذَا رَجَعَ، وَأَفَاءَهُ اللَّه إِذَا رَدَّهُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْفَيْءُ مَا رَدَّهُ اللَّه عَلَى أَهْلِ دِينِهِ، مِنْ أَمْوَالِ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ دِينِهِ بِلَا قِتَالٍ، إِمَّا بِأَنْ يُجْلَوْا عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَيُخَلُّوهَا لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُصَالَحُوا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>