للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة القلم (٦٨) : آية ٧]]

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)

وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: هو أن يكون المعين إن ربك هو أعلم بالمجانين عل الحقيقة، وهم الذي ضَلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْعُقَلَاءِ وَهُمُ الْمُهْتَدُونَ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إِنَّهُمْ رَمَوْكَ بِالْجُنُونِ وَوَصَفُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْعَقْلِ وَهُمْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ مَوْصُوفُونَ بِالضَّلَالِ، وَأَنْتَ مَوْصُوفٌ بِالْهِدَايَةِ وَالِامْتِيَازُ الْحَاصِلُ بِالْهِدَايَةِ وَالضَّلَالِ أَوْلَى بِالرِّعَايَةِ مِنَ الِامْتِيَازِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الْعَقْلِ وَالْجُنُونِ، لِأَنَّ ذَاكَ/ ثَمَرَتُهُ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ [أ] وَالشَّقَاوَةُ، وَهَذَا ثَمَرَتُهُ السعادة [أ] والشقاوة في الدنيا.

[[سورة القلم (٦٨) : آية ٨]]

فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ مَا عَلَيْهِ الْكُفَّارُ فِي أَمْرِ الرَّسُولِ وَنِسْبَتِهِ إِلَى الْجُنُونِ مَعَ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّه بِهِ عَلَيْهِ مِنَ الْكَمَالِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالْخُلُقِ، أَتْبَعَهُ بِمَا يَدْعُوهُ إِلَى التَّشَدُّدِ مَعَ قَوْمِهِ وَقَوَّى قَلْبَهُ بِذَلِكَ مَعَ قِلَّةِ الْعَدَدِ وَكَثْرَةِ الْكُفَّارِ، فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ فَقَالَ: فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ يَعْنِي رُؤَسَاءَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ دَعَوْهُ إِلَى دِينِ آبَائِهِ فَنَهَاهُ اللَّه أَنْ يُطِيعَهُمْ، وَهَذَا من اللَّه إلهاب وتهييج التشدد في مخالفتهم. ثم قال:

[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٩ الى ١٣]

وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣)

[في قوله تعالى وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ] وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ اللَّيْثُ: الْإِدْهَانُ اللِّينُ وَالْمُصَانَعَةُ وَالْمُقَارَبَةُ فِي الْكَلَامِ، قَالَ: الْمُبَرِّدُ: دَاهَنَ الرَّجُلُ فِي دِينِهِ وَدَاهَنَ فِي أَمْرِهِ إِذَا خَانَ فِيهِ وَأَظْهَرَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ، وَالْمَعْنَى تَتْرُكُ بَعْضَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَرْضَوْنَهُ مُصَانَعَةً لَهُمْ فَيَفْعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَيَتْرُكُوا بَعْضَ مَا لَا تَرْضَى فَتَلِينَ لَهُمْ وَيَلِينُونَ لَكَ، وَرَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَوْ تَكْفُرُ فَيَكْفُرُونَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنَّمَا رُفِعَ فَيُدْهِنُونَ وَلَمْ يُنْصَبْ بِإِضْمَارِ أَنْ وَهُوَ جَوَابُ التَّمَنِّي لِأَنَّهُ قَدْ عُدِلَ بِهِ إِلَى طَرِيقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ جُعِلَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ فَهُمْ يُدْهِنُونَ كَقَوْلِهِ: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ [الْجِنِّ: ١٣] عَلَى مَعْنَى وَدُّوا لَوْ تدهن فهم يدهنون حينئذ، قال سيبويه: ومعم هَارُونُ وَكَانَ مِنَ الْقُرَّاءِ أَنَّهَا فِي بَعْضِ المصاحف:

(ودوا لو تدهن فيدهنوا) .

[البحث في الصفات المذمومة للكفار في هذه الآيات] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَهَاهُ عَنْ طَاعَةِ الْمُكَذِّبِينَ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيَ عَنْ طَاعَةِ جَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلَّا أَنَّهُ أَعَادَ النَّهْيَ عَنْ طَاعَةِ من كان الكفا مَوْصُوفًا بِصِفَاتٍ مَذْمُومَةٍ وَرَاءَ الْكُفْرِ، وَتِلْكَ الصِّفَاتُ هِيَ هَذِهِ:

الصِّفَةُ الْأُولَى: كَوْنُهُ حَلَّافًا، وَالْحَلَّافُ مَنْ كَانَ كَثِيرَ الْحَلِفِ فِي الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَكَفَى بِهِ مَزْجَرَةً لِمَنِ اعْتَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>