للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة المعارج]

أربعون وأربع آيات

[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣)

اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: سَأَلَ فِيهِ قِرَاءَتَانِ مِنْهُمْ مَنْ قَرَأَهُ بِالْهَمْزَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَهُ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ، أَمَّا الْأَوَّلُونَ وَهُمُ الْجُمْهُورُ فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنَ التَّفْسِيرِ: الأول: أن النضر بن الحرث لَمَّا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَالِ: ٣٢] فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: سَأَلَ سائِلٌ أَيْ دَعَا دَاعٍ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ مِنْ قَوْلِكَ دَعَا بِكَذَا إِذَا اسْتَدْعَاهُ وَطَلَبَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ [الدخان: ٥٥] قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَقْدِيرُ الْبَاءِ الْإِسْقَاطُ، وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: سَأَلَ سَائِلٌ عَذَابًا وَاقِعًا، فَأَكَّدَ بِالْبَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مَرَيْمَ: ٢٥] وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ لَمَّا كان سَأَلَ معناه هاهنا دَعَا لَا جَرَمَ عُدِّيَ تَعْدِيَتُهُ كَأَنَّهُ قَالَ دَعَا دَاعٍ بِعَذَابٍ مِنَ اللَّهِ الثَّانِي: قَالَ الحسن وقتادة لما بعث الله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَوَّفَ الْمُشْرِكِينَ بِالْعَذَابِ قَالَ الْمُشْرِكُونَ:

بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوا مُحَمَّدًا لِمَنْ هَذَا الْعَذَابُ وَبِمَنْ يَقَعُ فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَالتَّأْوِيلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: سَأَلَ سَائِلٌ عَنْ عَذَابٍ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى عَنْ، كَقَوْلِهِ:

فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي ... بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ

وقال تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الْفُرْقَانِ: ٥٩] وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : سَأَلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي تَقْدِيرِ عَنَى وَاهْتَمَّ كَأَنَّهُ قِيلَ: اهْتَمَّ مُهْتَمٌّ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ الثَّالِثُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا السَّائِلُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ اسْتَعْجَلَ بِعَذَابِ الْكَافِرِينَ، فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ وَاقِعٌ بِهِمْ، فَلَا دَافِعَ لَهُ قَالُوا: وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا [الْمَعَارِجِ: ٥] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السَّائِلَ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ الْجَمِيلِ، أَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ (سَالَ) بِغَيْرِ هَمْزٍ فَلَهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ سَأَلَ بِالْهَمْزَةِ فَخَفَّفَ وَقَلَبَ قال:

/ سألت قريش رَسُولَ اللَّهِ فَاحِشَةً ... ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بِمَا سَأَلَتْ وَلَمْ تُصِبِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ السَّيَلَانِ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ سَالَ سَيْلٌ وَالسَّيْلُ مَصْدَرٌ فِي مَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>