للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْعُبُودِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ كَلَامِ الْجِنِّ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَمَّا اشْتَغَلَ بِعُبُودِيَّةِ اللَّهِ، فَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لِمَ اجْتَمَعُوا وَلِمَ حَاوَلُوا مَنْعَهُ مِنْهُ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُوَافِقُ لقانون العقل؟.

[[سورة الجن (٧٢) : آية ٢٠]]

قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠)

قَرَأَ الْعَامَّةُ (قَالَ) عَلَى الْغَيْبَةِ وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ، قُلْ حَتَّى يَكُونَ نَظِيرًا لِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ [الجن: ٢١] قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي [الجن: ٢٢]

قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ جِئْتَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَقَدْ عَادَيْتَ النَّاسَ كُلَّهُمْ، فَارْجِعْ عَنْ هذا» فأنزل الله: قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي

وَهَذَا حُجَّةٌ لِعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ، وَمَنْ قَرَأَ قَالَ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا قَالُوا ذَلِكَ، أَجَابَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بقوله: إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي فَحَكَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَالَ أَوْ يَكُونُ ذَاكَ مِنْ بَقِيَّةِ حِكَايَةِ الْجِنِّ أحوال الرسول لقومهم.

[[سورة الجن (٧٢) : آية ٢١]]

قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١)

إِمَّا أَنْ يُفَسَّرَ الرَّشَدُ بِالنَّفْعِ حَتَّى يَكُونَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَا أَمْلِكُ لَكُمْ غَيًّا وَلَا رَشَدًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ (غَيًّا وَلَا رَشَدًا) ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ النَّافِعَ وَالضَّارَّ، وَالْمُرْشِدَ وَالْمُغْوِيَ هُوَ اللَّهُ، وَإِنَّ أَحَدًا مِنَ الخلق لا قدرة له عليه.

[[سورة الجن (٧٢) : آية ٢٢]]

قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢)

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّهُمْ قَالُوا: اتْرُكْ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَنَحْنُ نُجِيرُكَ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أَيْ مَلْجَأً وَحِرْزًا، قَالَ الْمُبَرِّدُ: مُلْتَحَداً مِثْلُ قَوْلِكَ مُنْعَرَجًا، وَالْتَحَدَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ مَالَ، فَالْمُلْتَحَدُ الْمَدْخَلُ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَ السِّرْبِ الذَّاهِبِ في الأرض.

[[سورة الجن (٧٢) : آية ٢٣]]

إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ ذَكَرُوا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وُجُوهًا أَحَدُهَا: أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ:

لَا أَمْلِكُ [الجن: ٢١] أَيْ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي [الجن: ٢٢] جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَقَعَتْ فِي الْبَيْنِ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الِاسْتِطَاعَةِ عَنْهُ وَبَيَانِ عَجْزِهِ عَلَى مَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى إِنْ أَرَادَ بِهِ سُوءًا لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيرَهُ مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ. وَثَانِيهَا: وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ: أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى البدل من قوله: مُلْتَحَداً [الجن: ٢٢] وَالْمَعْنَى: وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مَلْجَأً إِلَّا بَلَاغًا، أَيْ لَا يُنْجِينِي إِلَّا أَنْ أُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ، وَأَقُولُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا لَمْ يَقُلْ وَلَنْ أَجِدَ مُلْتَحَدًا بَلْ قَالَ: وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً، وَالْبَلَاغُ مِنَ اللَّهِ لَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِ: مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً لِأَنَّ الْبَلَاغَ مِنَ اللَّهِ لَا يَكُونُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، بَلْ يَكُونُ مِنَ اللَّهِ وَبِإِعَانَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ ثَالِثُهَا: قَالَ بَعْضُهُمْ: (إِلَّا) مَعْنَاهُ إِنْ [لا] «١» وَمَعْنَاهُ: إِنْ لَا أُبَلِّغْ بَلَاغًا كَقَوْلِكَ: (إِلَّا) «٢» قِيَامًا فَقُعُودًا، وَالْمَعْنَى: إِنْ لَا أُبَلِّغْ لَمْ أَجِدْ مُلْتَحَدًا، فَإِنْ قِيلَ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُقَالُ بلغ عنه

قال


(١) زيادة من الكشاف ٤/ ١٧١ ط. دار الفكر.
(٢) في الكشاف (إن لا) ٤/ ١٧١ ط. دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>