للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة القيامة (٧٥) : آية ٢٢]]

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢)

قَالَ اللَّيْثُ: نَضَرَ اللَّوْنُ وَالشَّجَرُ وَالْوَرَقُ يَنْضُرُ نَضْرَةً، وَالنَّضْرَةُ النِّعْمَةُ، وَالنَّاضِرُ النَّاعِمُ، وَالنَّضِرُ الْحَسَنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلَّوْنِ إِذَا كَانَ مُشْرِقًا: نَاضِرٌ، فَيُقَالُ: أَخْضَرُ نَاضِرٌ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَلْوَانِ، وَمَعْنَاهُ الَّذِي يَكُونُ لَهُ بَرْقٌ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: شَجَرٌ نَاضِرٌ، وَرَوْضٌ نَاضِرٌ. وَمِنْهُ

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «نَضَرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا» الْحَدِيثَ.

أَكْثَرُ الرُّوَاةِ رَوَاهُ بِالتَّخْفِيفِ، وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ فِيهِ التَّشْدِيدَ، وَأَلْفَاظُ الْمُفَسِّرِينَ مُخْتَلِفَةٌ فِي تَفْسِيرِ النَّاضِرِ، وَمَعْنَاهَا وَاحِدٌ قَالُوا: مَسْرُورَةٌ، نَاعِمَةٌ، مضيئة، مسفرة، مُشْرِقَةٌ بَهِجَةٌ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: نَضَرَتْ بِنَعِيمِ الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين: ٢٤] .

[[سورة القيامة (٧٥) : آية ٢٣]]

إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)

اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَتَمَسَّكُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَمَّا المعتزلة فلهم هاهنا مَقَامَانِ أَحَدُهُمَا: بَيَانُ أَنَّ ظَاهِرَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي: بَيَانُ التَّأْوِيلِ.

أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فَقَالُوا: النَّظَرُ الْمَقْرُونُ بِحَرْفِ إِلَى لَيْسَ اسْمًا لِلرُّؤْيَةِ، بَلْ لِمُقَدِّمَةِ الرُّؤْيَةِ وهي تقليب الحدقة نحو المرئي التماس لِرُؤْيَتِهِ، وَنَظَرُ الْعَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرُّؤْيَةِ كَنَظَرِ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْرِفَةِ، وَكَالْإِصْغَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّمَاعِ، فَكَمَا أَنَّ نَظَرَ الْقَلْبِ مُقَدِّمَةٌ لِلْمَعْرِفَةِ، وَالْإِصْغَاءَ مُقَدِّمَةٌ لِلسَّمَاعِ، فَكَذَا نَظَرُ الْعَيْنِ مُقَدِّمَةٌ لِلرُّؤْيَةِ، قَالُوا: وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَيْسَ اسْمًا لِلرُّؤْيَةِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [الْأَعْرَافِ: ١٩٨] أَثْبَتَ النَّظَرَ حَالَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ غَيْرُ الرُّؤْيَةِ وَالثَّانِي: أَنَّ النَّظَرَ يُوصَفُ بِمَا لَا تُوصَفُ بِهِ الرُّؤْيَةُ، يُقَالُ: نَظَرَ إِلَيْهِ نَظَرًا شَزَرًا، وَنَظَرَ غَضْبَانَ، وَنَظَرَ رَاضٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنَّ حَرَكَةَ الْحَدَقَةِ تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَلَا تُوصَفُ الرُّؤْيَةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يُقَالُ: رَآهُ شَزَرًا، وَرَآهُ رُؤْيَةَ غَضْبَانَ، أَوْ رُؤْيَةَ رَاضٍ الثَّالِثُ: يُقَالُ: انْظُرْ إِلَيْهِ حَتَّى تَرَاهُ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ، وَهَذَا يُفِيدُ كَوْنَ الرُّؤْيَةِ/ غَايَةً لِلنَّظَرِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَ النَّظَرِ وَالرُّؤْيَةِ الرَّابِعُ: يقال: دور فُلَانٍ مُتَنَاظِرَةٌ، أَيْ مُتَقَابِلَةٌ، فَمُسَمَّى النَّظَرِ حَاصِلٌ هاهنا، ومسمى الرؤية غير حاصل الخامس: قوله الشَّاعِرِ:

وُجُوهٌ نَاظِرَاتٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... إِلَى الرَّحْمَنِ تَنْتَظِرُ الْخَلَاصَا

أَثْبَتَ النَّظَرَ الْمَقْرُونَ بِحَرْفِ إِلَى مَعَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ مَا كَانَتْ حَاصِلَةً السَّادِسُ: احْتَجَّ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنِ الرُّؤْيَةِ، الَّتِي هِيَ إِدْرَاكُ الْبَصَرِ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَقْلِيبِ الْحَدَقَةِ نَحْوَ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الشَّيْءُ الَّذِي يُرَادُ رُؤْيَتُهُ، لِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

فَيَا مَيُّ هَلْ يُجْزِي بكائي بمثله ... مرارا وأنفاسي إليك الزوافر

وَإِنِّي مَتَّى أُشْرِفُ عَلَى الْجَانِبِ الَّذِي ... بِهِ أَنْتِ مِنْ بَيْنِ الْجَوَانِبِ نَاظِرَا

قَالَ: فَلَوْ كَانَ النَّظَرُ عِبَارَةً عَنِ الرُّؤْيَةِ لَمَا طَلَبَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُحِبَّ لَمْ يَطْلُبِ الثَّوَابَ عَلَى رُؤْيَةِ الْمَحْبُوبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَطَالِبِهِ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْآخَرِ:

وَنَظْرَةُ ذِي شَجَنٍ وَامِقٍ ... إِذَا مَا الرَّكَائِبُ جَاوَزْنَ مِيلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>