للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة البروج]

عشرون وآيتان مكية اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ تَسْلِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَنْ إِيذَاءِ الْكُفَّارِ وَكَيْفِيَّةُ تِلْكَ التَّسْلِيَةِ هِيَ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ سَائِرَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ كَانُوا كَذَلِكَ مِثْلَ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ وَمِثْلَ فِرْعَوْنَ وَمِثْلَ ثَمُودَ، وَخَتَمَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ الْكُفَّارِ كَانُوا فِي التَّكْذِيبِ، ثُمَّ عَقَّبَ هَذَا الْوَجْهَ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ [الْبُرُوجِ: ٢٠] ذَكَرَ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ مُثْبَتٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مُمْتَنِعُ التَّغْيِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ [لبروج: ٢١] فهذا ترتيب السورة.

[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣)

اعْلَمْ أَنَّ فِي الْبُرُوجِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا هِيَ الْبُرُوجُ الِاثْنَا عَشَرَ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَإِنَّمَا حَسُنَ الْقَسَمُ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ عَجِيبِ الْحِكْمَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَيْرَ الشَّمْسِ فِيهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَصَالِحَ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ مُرْتَبِطَةٌ بِسَيْرِ الشَّمْسِ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهَا صَانِعًا حَكِيمًا، قَالَ الْجُبَّائِيُّ: وَهَذِهِ الْيَمِينُ وَاقِعَةٌ عَلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِأَنَّ الْبُرُوجَ فِيهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ وَتَحْقِيقُهُ ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ [الصافات:

٦] ، وَثَانِيهَا: أَنَّ الْبُرُوجَ هِيَ مَنَازِلُ الْقَمَرِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ الْقَسَمُ بِهَا لِمَا فِي سَيْرِ الْقَمَرِ وَحَرَكَتِهِ مِنَ الْآثَارِ الْعَجِيبَةِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْبُرُوجَ هِيَ عِظَامُ الْكَوَاكِبِ سُمِّيَتْ بُرُوجًا لِظُهُورِهَا. وَأَمَّا

الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ فَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

قَالَ الْقَفَّالُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ لِانْشِقَاقِ السَّمَاءِ وَفَنَائِهَا وَبُطْلَانِ بُرُوجِهَا. وَأَمَّا الشاهد والمشهود، فقد اضطرب أَقَاوِيلُ الْمُفَسِّرِينَ فِيهِ، وَالْقَفَّالُ أَحْسَنُ النَّاسِ كَلَامًا فِيهِ، قَالَ: إِنَّ الشَّاهِدَ يَقَعُ عَلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا: الشَّاهِدُ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ الدَّعَاوَى وَالْحُقُوقُ وَالثَّانِي: الشَّاهِدُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْحَاضِرِ، كَقَوْلِهِ: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [الْأَنْعَامِ: ٧٣] وَيُقَالُ: فُلَانٌ شَاهِدٌ وَفُلَانٌ غَائِبٌ، وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ الثَّانِي أَوْلَى، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْأَوَّلَ لَمَا خَلَا لَفْظُ الْمَشْهُودِ عَنْ حَرْفِ الصِّلَةِ، فَيُقَالُ: مَشْهُودٌ عَلَيْهِ، أَوْ مَشْهُودٌ لَهُ. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ/ مَعْنَاهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَحُذِفَتِ الصِّلَةُ، كَمَا في قوله: إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا [الْإِسْرَاءِ: ٣٤] أَيْ مَسْئُولًا عَنْهُ، إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَنَقُولُ: إِنْ حَمَلْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>