للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُرِّكَتْ حَرَكَةً شَدِيدَةً، كَمَا قَالَ: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا [الْوَاقِعَةِ: ٤] وَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ زُلْزِلَتْ حُرِّكَتْ، بَلِ الْمُرَادُ: تَحَرَّكَتْ وَاضْطَرَبَتْ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى يُخْبِرُ عَنْهَا فِي جَمِيعِ السُّورَةِ كَمَا يُخْبِرُ عَنِ الْمُخْتَارِ الْقَادِرِ، وَلِأَنَّ هَذَا أَدْخَلُ فِي التَّهْوِيلِ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّ الْجَمَادَ لَيَضْطَرِبُ لِأَوَائِلِ الْقِيَامَةِ، أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَضْطَرِبَ وَتَتَيَقَّظَ مِنْ غَفْلَتِكَ وَيَقْرُبُ مِنْهُ: لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الْحَشْرِ: ٢١] وَاعْلَمْ أَنْ زَلَّ لِلْحَرَكَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَزَلْزَلَ لِلْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ الْعَظِيمَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّكْرِيرِ، وَهُوَ كَالصَّرْصَرِ فِي الرِّيحِ، وَلِأَجْلِ شِدَّةِ هَذِهِ الْحَرَكَةِ وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْعِظَمِ فَقَالَ: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج: ١] .

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُرَادُ مِنَ الزَّلْزَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ النَّفْخَةُ الْأُولَى كَقَوْلِهِ: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ [النَّازِعَاتِ: ٦] أَيْ تُزَلْزَلُ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى، ثُمَّ تُزَلْزَلُ ثَانِيًا فَتُخْرِجُ مَوْتَاهَا وَهِيَ الْأَثْقَالُ، وَقَالَ آخَرُونَ: هَذِهِ الزَّلْزَلَةُ هِيَ الثَّانِيَةُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ مِنْ لَوَازِمِهَا أَنَّهَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الزَّلْزَلَةِ الثَّانِيَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي قَوْلِهِ: زِلْزالَها بِالْإِضَافَةِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهَا فِي الْحِكْمَةِ، كَقَوْلِكَ:

أَكْرِمِ التَّقِيَّ إِكْرَامَهُ وَأَهِنِ الْفَاسِقَ إِهَانَتَهُ، تُرِيدُ مَا يَسْتَوْجِبَانِهِ مِنَ الْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى زِلْزَالَهَا كُلَّهُ وَجَمِيعَ مَا هُوَ مُمْكِنٌ مِنْهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وُجِدَ مِنَ الزَّلْزَلَةِ كُلُّ مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَحَلُّ وَالثَّالِثُ: زِلْزَالَهَا الْمَوْعُودَ أَوِ الْمَكْتُوبَ عَلَيْهَا إِذَا قُدِّرَتْ تَقْدِيرَ الْحَيِّ، تَقْرِيرُهُ مَا رُوِيَ أَنَّهَا تُزَلْزِلُ مِنْ شِدَّةِ صَوْتِ إِسْرَافِيلَ لما أنها قدرت تقدير الحي. أما قوله:

[[سورة الزلزلة (٩٩) : آية ٢]]

وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢)

فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْأَثْقَالِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَمْعُ ثَقَلٍ وَهُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ: وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ [النَّحْلِ: ٧] جَعَلَ مَا فِي جَوْفِهَا مِنَ الدَّفَائِنِ أَثْقَالًا لَهَا، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ فَهُوَ ثِقْلٌ لَهَا، وَإِذَا كَانَ فَوْقَهَا فَهُوَ ثِقْلٌ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: سُمِّيَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ بِالثَّقَلَيْنِ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَثْقُلُ بِهِمْ إِذَا كَانُوا فِي بَطْنِهَا وَيَثْقُلُونَ عَلَيْهَا إِذَا كَانُوا فَوْقَهَا، ثُمَّ قَالَ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ الزَّلْزَلَةُ الْأُولَى يَقُولُ:

أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، يَعْنِي الْكُنُوزَ فَيَمْتَلِئُ ظَهْرُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَا أَحَدَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، كَأَنَّ الذَّهَبَ يَصِيحُ وَيَقُولُ: أَمَا كُنْتَ تُخَرِّبُ دِينَكَ وَدُنْيَاكَ لِأَجْلِي! أَوْ تَكُونُ الْفَائِدَةُ فِي إِخْرَاجِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ [التَّوْبَةِ: ٣٥] وَمَنْ قَالَ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ الثَّانِيَةُ وَهِيَ بَعْدَ الْقِيَامَةِ قَالَ: تُخْرِجُ الْأَثْقَالَ يَعْنِي الْمَوْتَى أَحْيَاءً كَالْأُمِّ تَلِدُهُ حَيًّا، وَقِيلَ: تَلْفِظُهُ الْأَرْضُ مَيِّتًا، كَمَا دُفِنَ ثُمَّ يُحْيِيهِ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَثْقَالَهَا: أَسْرَارَهَا فَيَوْمَئِذَ تُكْشَفُ الْأَسْرَارُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها فَتَشْهَدُ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي صِفَةِ الْأَرْضِ: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً [الْمُرْسَلَاتِ: ٢٥] ثُمَّ صَارَتْ بِحَالٍ تَرْمِيكَ وَهُوَ تَقْرِيرٌ لِقَوْلِهِ: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ

[الحج: ٢] وقوله: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ [عبس: ٣٤] أما قوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>