للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة التكاثر]

ثمان آيات مكية

[سورة التكاثر (١٠٢) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢)

فِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْإِلْهَاءُ الصَّرْفُ إِلَى اللَّهْوِ وَاللَّهْوُ الِانْصِرَافُ إِلَى مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْهَوَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِانْصِرَافَ إِلَى الشَّيْءِ يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَنْ غَيْرِهِ، فَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَلْهَانِي فُلَانٌ عَنْ كَذَا أَيْ أَنْسَانِي وَشَغَلَنِي، وَمِنْهُ

الْحَدِيثُ: «أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ سمع صوت الرعد لهى عن حديثه»

أن تَرَكَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَرَكْتَهُ فَقَدْ لَهَيْتَ عَنْهُ، وَالتَّكَاثُرُ التَّبَاهِي بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْمَنَاقِبِ يُقَالُ: تَكَاثَرَ الْقَوْمُ تَكَاثُرًا إِذَا تَعَادَلُوا مَا لَهُمْ مِنْ كَثْرَةِ الْمَنَاقِبِ، وَقَالَ أَبُو مسلم: التكاثر تفاعل من الْكَثْرَةِ وَالتَّفَاعُلُ يَقَعُ عَلَى أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فَيَكُونُ مُفَاعَلَةً، وَيَحْتَمِلُ تَكَلُّفَ الْفِعْلِ تَقُولُ: تَكَارَهْتُ عَلَى كَذَا إِذَا فَعَلْتَهُ وَأَنْتَ كَارِهٌ، وَتَقُولُ:

تَبَاعَدْتُ عَنِ الْأَمْرِ إِذَا تَكَلَّفْتَ الْعَمَى عَنْهُ وَتَقُولُ: تَغَافَلْتُ، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ كَمَا تَقُولُ: تَبَاعَدْتُ عَنِ الْأَمْرِ أَيْ بَعُدْتُ عَنْهُ، وَلَفْظُ التَّكَاثُرِ في هذه الآية ويحتمل الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلِينَ، فَيَحْتَمِلُ التَّكَاثُرَ بِمَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ لِأَنَّهُ كَمْ مِنِ اثْنَيْنِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَراً [الكهف: ٣٤] وَيَحْتَمِلُ تَكَلُّفَ الْكَثْرَةِ فَإِنَّ الْحَرِيصَ يَتَكَلَّفُ جَمِيعَ عُمُرِهِ تَكْثِيرَ مَالِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفَاخُرَ وَالتَّكَاثُرَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ [الْحَدِيدِ: ٢٠] .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ التَّفَاخُرَ إِنَّمَا يَكُونُ بِإِثْبَاتِ الْإِنْسَانِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ السَّعَادَةِ لِنَفْسِهِ، وَأَجْنَاسُ السَّعَادَةِ ثَلَاثَةٌ:

فَأَحَدُهَا: فِي النَّفْسِ وَالثَّانِيَةُ: فِي الْبَدَنِ وَالثَّالِثَةُ: فِيمَا يُطِيفُ بِالْبَدَنِ مِنْ خَارِجٍ، أَمَّا الَّتِي فِي النَّفْسِ فَهِيَ الْعُلُومُ وَالْأَخْلَاقُ الْفَاضِلَةُ وَهُمَا الْمُرَادَانِ بِقَوْلِهِ حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [الشُّعَرَاءِ: ٨٣] وَبِهِمَا يُنَالُ الْبَقَاءُ الْأَبَدِيُّ وَالسَّعَادَةُ السَّرْمَدِيَّةُ.

وَأَمَّا الَّتِي فِي الْبَدَنِ فَهِيَ الصِّحَّةُ وَالْجَمَالُ وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ، وَأَمَّا الَّتِي تُطِيفُ بِالْبَدَنِ مِنْ خَارِجٍ فَقِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: ضَرُورِيٌّ وَهُوَ الْمَالُ وَالْجَاهُ وَالْآخَرُ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ وَهُوَ الْأَقْرِبَاءُ وَالْأَصْدِقَاءُ/ وَهَذَا الَّذِي عَدَدْنَاهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>