للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ مَا هُوَ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ [التَّوْبَةِ: ٦٠] أَيْ لَهُمْ لا لغيرهم وقال تعالى لمحمد: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الْكَهْفِ: ١١٠] أَيْ مَا أَنَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَكَذَا هَذِهِ الْآيَةُ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ [الْأَنْعَامِ: ١٤٥] فَصَارَتِ الْآيَتَانِ وَاحِدَةً فَقَوْلُهُ: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً إِلَّا كَذَا فِي تِلْكَ الْآيَةِ، وَأَمَّا الشِّعْرُ فقوله الْأَعْشَى.

وَلَسْتُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ... وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ

وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

أَنَا الذَّائِدُ الْحَامِي الذِّمَارَ وَإِنَّمَا ... يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِ أَنَا أَوْ مِثْلِي

وَأَمَّا الْقِيَاسُ، فَهُوَ أَنَّ كَلِمَةَ «إِنَّ» لِلْإِثْبَاتِ وَكَلِمَةَ «مَا» لِلنَّفْيِ فَإِذَا اجْتَمَعَا فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَبْقَيَا عَلَى أَصْلَيْهِمَا فَإِمَّا أَنْ يُفِيدَا ثُبُوتَ غَيْرِ الْمَذْكُورِ، وَنَفْيَ الْمَذْكُورِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ، أَوْ ثُبُوتَ الْمَذْكُورِ، وَنَفْيَ غَيْرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَلَقَدْ كَانَ غَيْرُهُ نَذِيرًا، وَجَوَابُهُ مَعْنَاهُ: مَا أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ فَهُوَ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَلَا يَنْفِي وُجُودَ نَذِيرٍ آخَرَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قُرِئَ حَرَّمَ على البناء للفاعل وحرم للبناء للمفعول وحرم بِوَزْنِ كَرُمَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْمَيْتَةُ ما فارقته الروح من غير زكاة مِمَّا يُذْبَحُ، وَأَمَّا الدَّمُ فَكَانَتِ الْعَرَبُ تَجْعَلُ الدَّمَ فِي الْمَبَاعِرِ وَتَشْوِيهَا ثُمَّ تَأْكُلُهَا، فَحَرَّمَ اللَّهُ الدَّمَ وَقَوْلُهُ: لَحْمَ الْخِنْزِيرِ أَرَادَ الْخِنْزِيرَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، لَكِنَّهُ خَصَّ اللَّحْمَ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْأَكْلِ وَقَوْلُهُ: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْإِهْلَالُ أَصْلُهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فَكُلُّ رَافِعٍ صَوْتَهُ فَهُوَ مُهِلٌّ، وَقَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:

يهل بالفدفد رُكْبَانُهَا ... كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ الْمُعْتَمِرْ

هَذَا مَعْنَى الْإِهْلَالِ فِي اللُّغَةِ، ثُمَّ قِيلَ لِلْمُحْرِمِ مُهِلٌّ لِرَفْعِهِ الصَّوْتَ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، هَذَا مَعْنَى الْإِهْلَالِ، يُقَالُ: أَهَلَّ فُلَانٌ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَيْ أَحْرَمَ بِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الصَّوْتَ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَالذَّابِحُ مُهِلٌّ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كانوا يسمعون الْأَوْثَانَ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِذِكْرِهَا وَمِنْهُ: اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ يَعْنِي مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَابْنُ زَيْدٍ:

يَعْنِي مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَشَدُّ مُطَابَقَةً لِلَّفْظِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا ذَبَحَ ذَبِيحَةً، وَقَصَدَ بِذَبْحِهَا التَّقَرُّبَ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ صَارَ مُرْتَدًّا وَذَبِيحَتُهُ ذَبِيحَةُ مُرْتَدٍّ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي غَيْرِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَمَّا ذَبَائِحُ/ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَتَحِلُّ لَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ [الْمَائِدَةِ: ٥] .

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنِ اضْطُرَّ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ: فَمَنِ اضْطُرَّ بِضَمِّ النُّونِ وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ، فَالضَّمُّ لِلْإِتْبَاعِ، وَالْكَسْرُ عَلَى أَصْلِ الْحَرَكَةِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اضْطُرَّ: أُحْوِجَ وَأُلْجِئَ، وَهُوَ افْتُعِلَ مِنَ الضَّرُورَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الضَّرَرِ، وَهُوَ الضِّيقُ.