للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَحَجِّهِمْ، وَالشُّهْرَةُ ظُهُورُ الشَّيْءِ وَسُمِيَ الْهِلَالُ شَهْرًا لِشُهْرَتِهِ وَبَيَانِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ سُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا بِاسْمِ الْهِلَالِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي رَمَضَانَ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا: قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهُ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: شَهْرُ رَمَضَانَ أَيْ شَهْرُ اللَّهِ

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَقُولُوا جَاءَ رَمَضَانُ وَذَهَبَ رَمَضَانُ وَلَكِنْ قُولُوا: جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَذَهَبَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى» .

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ اسْمٌ لِلشَّهْرِ كَشَهْرِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِقَاقِهِ عَلَى وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: مَا نُقِلَ عَنِ الْخَلِيلِ أَنَّهُ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِسُكُونِ الْمِيمِ، وَهُوَ مَطَرٌ يَأْتِي قَبْلَ الْخَرِيفِ يُطَهِّرُ وَجْهَ الْأَرْضِ عَنِ الْغُبَارِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ كَمَا يَغْسِلُ ذَلِكَ الْمَطَرُ وَجْهَ الْأَرْضِ وَيُطَهِّرُهَا فَكَذَلِكَ شَهْرُ رَمَضَانَ يَغْسِلُ أَبْدَانَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الذُّنُوبِ وَيُطَهِّرُ قُلُوبَهُمْ الثَّانِي: أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّمَضِ وَهُوَ حَرُّ الْحِجَارَةِ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الشَّمْسِ، وَالِاسْمُ الرَّمْضَاءُ، فَسُمِّيَ هَذَا الشَّهْرُ بِهَذَا الِاسْمِ إِمَّا لِارْتِمَاضِهِمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ مِنْ حَرِّ الْجُوعِ أَوْ مُقَاسَاةِ شِدَّتِهِ، كَمَا سَمُّوهُ تَابِعًا لِأَنَّهُ كَانَ يَتْبَعُهُمْ أَيْ يُزْعِجُهُمْ لِشِدَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: لَمَّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عَنِ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ سَمَّوْهَا بِالْأَزْمِنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا فَوَافَقَ هَذَا الشَّهْرُ أَيَّامَ رَمَضِ الْحَرِّ، وَقِيلَ سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُ يَرْمِضُ الذُّنُوبَ أَيْ يَحْرِقُهَا،

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ يَرْمِضُ ذُنُوبَ عِبَادِ اللَّهِ»

الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الِاسْمَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ:

رَمَضْتُ النَّصْلَ أَرْمِضُهُ رَمْضًا إِذَا دَفَعْتَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ لِيَرِقَّ، وَنَصْلٌ رَمِيضٌ وَمَرْمُوضٌ، فَسُمِّيَ هَذَا الشَّهْرُ: رَمَضَانَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْمِضُونَ فِيهِ أَسْلِحَتَهُمْ لِيَقْضُوا مِنْهَا أَوْطَارَهُمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُحْكَى عَنِ الْأَزْهَرِيِّ الرَّابِعُ: لَوْ صَحَّ قَوْلُهُمْ: إِنَّ رَمَضَانَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الشَّهْرُ أَيْضًا سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الذُّنُوبَ تَتَلَاشَى فِي جَنْبِ رَحْمَةِ اللَّهِ حَتَّى كَأَنَّهَا احْتَرَقَتْ، وَهَذَا الشَّهْرُ أَيْضًا رَمَضَانُ بِمَعْنَى أَنَّ الذُّنُوبَ تَحْتَرِقُ في جنب بركته.

المسألة الثالثة: قرى شَهْرُ بِالرَّفْعِ وَبِالنَّصْبِ، أَمَّا الرَّفْعُ فَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ ارْتَفَعَ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الصِّيَامِ، وَالْمَعْنَى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَالْأَخْفَشِ أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: أَيَّاماً كَأَنَّهُ قِيلَ: هِيَ شَهْرُ رَمَضَانَ، لِأَنَّ/ قَوْلَهُ: شَهْرُ رَمَضانَ تَفْسِيرٌ لِلْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَتَبْيِينٌ لَهَا الثَّالِثُ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ مُبْتَدَأً مَحْذُوفَ الْخَبَرِ، كَأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [البقرة: ١٨٣] قِيلَ فِيمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ مِنَ الصِّيَامِ شَهْرُ رَمَضَانَ أَيْ صِيَامُهُ الرَّابِعُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرَهُ الَّذِي مَعَ صِلَتِهِ كَقَوْلِهِ زَيْدٌ الَّذِي فِي الدَّارِ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَصْفًا لِيَكُونَ لَفْظُ الْقُرْآنِ نَصًّا فِي الْأَمْرِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ، لِأَنَّكَ إِنْ جَعَلْتَهُ خَبَرًا لَمْ يَكُنْ شَهْرُ رَمَضَانَ مَنْصُوصًا عَلَى صَوْمِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، إِنَّمَا يَكُونُ مُخْبَرًا عَنْهُ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ فِيهِ، وَأَيْضًا إِذَا جَعَلْتَ الَّذِي وَصْفًا كَانَ حَقُّ النَّظْمِ أَنْ يُكَنَّى عَنِ الشَّهْرِ لَا أَنْ يَظْهَرَ كَقَوْلِكَ. شَهْرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَكُ مَنْ شَهِدَهُ فَلْيَصُمْهُ وَأَمَّا قِرَاءَةُ النَّصْبِ فَفِيهَا وُجُوهٌ أَحَدُهَا: التَّقْدِيرُ:

صُومُوا شَهْرَ رَمَضَانَ وَثَانِيهَا: عَلَى الْإِبْدَالِ مِنْ أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ مَفْعُولُ وَأَنْ تَصُومُوا وَهَذَا الْوَجْهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَصِيرُ النَّظْمُ: وأن تصوموا رمضان الذين أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ خَيْرٌ لَكُمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ بِهَذَا الْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ جَارِيَانِ مَجْرَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَإِيقَاعُ الْفَصْلِ بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ غَيْرُ جَائِزٍ.

أَمَّا قَوْلُهُ: أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَصَّ هَذَا الشَّهْرَ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ بَيَّنَ الْعِلَّةَ لِهَذَا التَّخْصِيصِ، وَذَلِكَ هُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَصَّهُ بِأَعْظَمِ آيَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، فَلَا يَبْعُدُ أَيْضًا تَخْصِيصُهُ بِنَوْعٍ