للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَاجِّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِهَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ الْحَاجِّ، وَسَائِرُ النَّاسِ تَبَعٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ هِيَ أَوَّلُ صَلَاةٍ يُكَبِّرُ الْحَاجُّ فِيهَا بِمِنًى، فَإِنَّهُمْ يُلَبُّونَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَآخِرُ صَلَاةٍ يُصَلُّونَهَا بِمِنًى هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتُ في حق غير الحاج مقيد بِهَذَا الزَّمَانِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يُبْتَدَأُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ، إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ التَّكْبِيرَاتُ بَعْدَ ثَمَانِي عَشْرَةَ صَلَاةً.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أن يُبْتَدَأُ بِهَا مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَنْقَطِعُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَتَكُونُ التَّكْبِيرَاتُ بَعْدَ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ يُبْتَدَأُ بِهَا مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَنْقَطِعُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَتَكُونُ التَّكْبِيرَاتُ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً، وَهُوَ قَوْلُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، كَعَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالْمُزَنِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ بِالْبُلْدَانِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: مَا

رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَمَدَّ التَّكْبِيرَ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ

وَالثَّانِي: أَنَّ الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَخَذَ بِالْأَكْثَرِ، وَالتَّكْثِيرُ فِي التَّكْبِيرِ أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الْأَحْزَابِ:

٤١] الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ، لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ فِي التَّكْبِيرَاتِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهَا وَالرَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ تُنْسَبُ إِلَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَوَجَبَ أَنْ يُؤْتَى بِهَا إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ التَّكْبِيرَاتُ مُضَافَةٌ إِلَى الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ مَشْرُوعَةً يَوْمَ عَرَفَةَ.

قُلْنَا: فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُكَبِّرَ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ الْأَغْلَبُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، صَحَّ أَنْ يُضَافَ التَّكْبِيرُ إِلَيْهَا الْمَوْضِعُ الثَّانِي: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمُسْتَحَبُّ فِي التَّكْبِيرَاتِ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثًا نَسَقًا أَيْ مُتَتَابِعًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ، حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ الْأَئِمَّةَ يُكَبِّرُونَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا، وَلِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي التَّكْبِيرِ، فَكَانَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَيَقُولُ بَعْدَ الثَّلَاثِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ» ثُمَّ قَالَ: وَمَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ/ اللَّهِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَقَالَ فِي التَّلْبِيَةِ: وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ التَّلْبِيَةِ التَّكْرَارَ فَتَكْرَارُهَا أَوْلَى مِنْ ضَمِّ الزِّيَادَةِ إليها، وهاهنا يُكَبِّرُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ أَوْلَى مِنَ السُّكُوتِ، وَأَمَّا التَّكْبِيرُ عَلَى الْجِمَارِ

فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ،

فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى فَفِيهِ سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ قَالَ فَمَنْ تَعَجَّلَ وَلَمْ يَقُلْ فَمَنْ عَجَّلَ؟.

الْجَوَابُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : تَعَجَّلَ وَاسْتَعْجَلَ يَجِيئَانِ مُطَاوِعَيْنِ بِمَعْنَى عَجَّلَ، يُقَالُ: تَعَجَّلَ فِي