للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مستطيل غائص، وجمع الأخدود أَخَادِيد، وأصل ذلك من خَدَّيِ الإنسان، وهما: ما اكتنفا الأنف عن اليمين والشمال. والخَدّ يستعار للأرض، ولغيرها كاستعارة الوجه، وتَخَدُّدُ اللّحمِ: زواله عن وجه الجسم، يقال: خَدَّدْتُهُ فَتَخَدَّدَ.

[خدع]

الخِدَاع: إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه، قال تعالى:

يُخادِعُونَ اللَّهَ

[البقرة/ ٩] ، أي: يخادعون رسوله وأولياءه، ونسب ذلك إلى الله تعالى من حيث إنّ معاملة الرّسول كمعاملته، ولذلك قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح/ ١٠] ، وجعل ذلك خداعا تفظيعا لفعلهم، وتنبيها على عظم الرّسول وعظم أوليائه. وقول أهل اللّغة: إنّ هذا على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، فيجب أن يعلم أنّ المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو أتي بالمضاف المحذوف لما ذكرنا من التّنبيه على أمرين: أحدهما: فظاعة فعلهم فيما تحرّوه من الخديعة، وأنّهم بمخادعتهم إيّاه يخادعون الله، والثاني: التّنبيه على عظم المقصود بالخداع، وأنّ معاملته كمعاملة الله، كما نبّه عليه بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ ... الآية [الفتح/ ١٠] ، وقوله تعالى:

وَهُوَ خادِعُهُمْ

[النساء/ ١٤٢] ، قيل معناه:

مجازيهم بالخداع، وقيل: على وجه آخر مذكور في قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران/ ٥٤] «١» ، وقيل: خَدَعَ الضَّبُّ أي:

استتر في جحره، واستعمال ذلك في الضّبّ أنه يعدّ عقربا تلدغ من يدخل يديه في جحره، حتى قيل: العقرب بوّاب الضّبّ وحاجبه «٢» ، ولاعتقاد الخديعة فيه قيل: أَخْدَعُ من ضبّ «٣» ، وطريق خَادِع وخَيْدَع: مضلّ، كأنه يخدع سالكه. والمَخْدَع:

بيت في بيت، كأنّ بانيه جعله خادعا لمن رام تناول ما فيه، وخَدَعَ الريق: إذا قلّ «٤» ، متصوّرا منه هذا المعنى، والأَخْدَعَان «٥» تصوّر منهما الخداع لاستتارهما تارة، وظهورهما تارة، يقال:

خَدَعْتُهُ: قطعت أَخْدَعَهُ، وفي الحديث: «بين يدي السّاعة سنون خَدَّاعَة» «٦» أي: محتالة لتلوّنها بالجدب مرّة، وبالخصب مرّة.


(١) أي: هذا من باب المشاكلة في اللفظ.
(٢) انظر: البصائر ٢/ ٥٣٠، وعمدة الحفاظ: خدع.
(٣) انظر الأمثال ص ٣٦٤.
(٤) انظر: المجمل ٢/ ٢٧٩.
(٥) هما عرقان خفيان في موضع الحجامة من العنق.
(٦) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «قبل الساعة سنون خداعة يكذّب فيها الصادق، ويصدّق فيها الكاذب، ويخوّن فيها الأمين، ويؤتمن الخائن، وينطق بها الرويبضة» ويروى عن أنس عن النبي: «وإنّ أمام الدجال سنين خداعة» .. إلخ. قال ابن كثير: هذا إسناد قوي جيد. انظر: مسند أحمد ٢/ ٣٣٨، والفتن والملاحم لابن كثير ١/ ٥٧، والدر المنثور ٧/ ٤٧٥.

<<  <   >  >>