للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غير تدبّر ولا تفكّر، قال تعالى: أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها

[الكهف/ ٧١] ، وهو ضدّ الخلق، فإنّ الخلق هو فعل الشيء بتقدير ورفق، والخرق بغير تقدير، قال تعالى: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام/ ١٠٠] ، أي: حكموا بذلك على سبيل الخرق، وباعتبار القطع قيل: خَرَقَ الثوبَ، وخَرَّقَه، وخَرَقَ المفاوز، واخْتَرَقَ الرّيح. وخصّ الخَرْق والخريق بالمفاوز الواسعة، إمّا لاختراق الريح فيها، وإمّا لتخرّقها في الفلاة، وخصّ الخرق بمن ينخرق في السخاء «١» . وقيل لثقب الأذن إذا توسّع: خرق، وصبيّ أَخْرَقُ، وامرأة خَرْقَاء: مثقوبة الأذن ثقبا واسعا، وقوله تعالى: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ

[الإسراء/ ٣٧] ، فيه قولان:

أحدهما: لن تقطع، والآخر: لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر، اعتبارا بالخرق في الأذن، وباعتبار ترك التقدير قيل: رجل أَخْرَقُ، وخَرِقُ، وامرأة خَرْقَاء، وشبّه بها الريح في تعسّف مرورها فقيل: ريح خرقاء. وروي: «ما دخل الخرق في شيء إلّا شانه» «٢» . ومن الخرق استعيرت المَخْرَقَة، وهو إظهار الخرق توصّلا إلى حيلة، والمِخْرَاق: شيء يلعب به، كأنّه يخرق لإظهار الشيء بخلافه، وخَرِقَ الغزال «٣» : إذا لم يحسن أن يعدو لخرقه.

[خزن]

الخَزْنُ: حفظ الشيء في الخِزَانَة، ثمّ يعبّر به عن كلّ حفظ كحفظ السّرّ ونحوه، وقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ [الحجر/ ٢١] ، وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

[المنافقون/ ٧] ، فإشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده، أو إلى الحالة التي أشار إليها بقوله عليه السلام: «فرغ ربّكم من الخلق والخلق والرّزق والأجل» «٤» ، وقوله تعالى: فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ

[الحجر/ ٢٢] ، قيل معناه: حافظين له بالشّكر، وقيل: هو إشارة إلى ما أنبأ عنه قوله:

أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ ...


(١) في اللسان: والخرق بالكسر: الكريم المتخرّق في الكرم، وفي المجمل: الخرق: السخيّ يتخرّق في السخاء.
(٢) الحديث رواه العسكري من حديث عبد الرزاق عن أنس مرفوعا: «ما كان الرفق في شيء قطّ إلا زانه، ولا كان الخرق في شيء قط إلا شانه» ، وأخرجه مسلم بلفظ: «إنّ الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه» .
راجع: المقاصد الحسنة ص ١١٤، وصحيح مسلم في البر والصلة رقم ٢٥٩٤.
(٣) انظر: المجمل ٢/ ٢٨٥، والأفعال ١/ ٤٩٠.
(٤) الحديث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «فرغ إلى ابن آدم من أربع: الخلق والخلق والأجل والرزق» أخرجه الطبراني في الأوسط ٢/ ٣٣٦، وهو في مجمع الزوائد ٧/ ١٩٥ كتاب القدر، والفتح الكبير ٢/ ٢٦٦. وفيه عيسى بن المسيب البجلي، وهو ضعيف عند الجمهور، ووثقه الحاكم والدارقطني في سننه، وضعفه في غيرها.
وللحديث طرق أخرى وروايات أخرى عند الطبراني وأحمد وابن عساكر، وانظر: مسند أحمد ٢/ ١٦٧.

<<  <   >  >>