للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والخصلة، والخُلَّةُ: المودّة، إمّا لأنّها تتخلّل النّفس، أي: تتوسّطها، وإمّا لأنّها تخلّ النّفس، فتؤثّر فيها تأثير السّهم في الرّميّة، وإمّا لفرط الحاجة إليها، يقال منه: خاللته مُخَالَّة وخِلَالًا فهو خليل، وقوله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [النساء/ ١٢٥] ، قيل: سمّاه بذلك لافتقاره إليه سبحانه في كلّ حال الافتقار المعنيّ بقوله: إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص/ ٢٤] ، وعلى هذا الوجه قيل:

(اللهمّ أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك) «١» . وقيل: بل من الخلّة، واستعمالها فيه كاستعمال المحبّة فيه، قال أبو القاسم البلخيّ «٢» : هو من الخلّة لا من الخلّة، قال:

ومن قاسه بالحبيب فقد أخطأ، لأنّ الله يجوز أن يحبّ عبده، فإنّ المحبّة منه الثناء ولا يجوز أن يخالّه، وهذا منه اشتباه، فإنّ الخلّة من تخلّل الودّ نفسه ومخالطته، كقوله:

١٤٥-

قد تخلّلت مسلك الرّوح منّي ... وبه سمّي الخليل خليلا

«٣» ولهذا يقال: تمازج روحانا. والمحبّة: البلوغ بالودّ إلى حبّة القلب، من قولهم: حببته: إذا أصبت حبّة قلبه، لكن إذا استعملت المحبّة في الله فالمراد بها مجرّد الإحسان، وكذا الخلّة، فإن جاز في أحد اللّفظين جاز في الآخر، فأمّا أن يراد بالحبّ حبّة القلب، والخلّة التّخلّل، فحاشا له سبحانه أن يراد فيه ذلك. وقوله تعالى: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ [البقرة/ ٢٥٤] ، أي: لا يمكن في القيامة ابتياع حسنة ولا استجلابها بمودّة، وذلك إشارة إلى قوله سبحانه: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى [النجم/ ٣٩] ، وقوله: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ

[إبراهيم/ ٣١] ، فقد قيل: هو مصدر من خاللت، وقيل:

هو جمع، يقال: خليل وأَخِلَّة وخِلَال والمعنى كالأوّل.

[خلد]

الخُلُود: هو تبرّي الشيء من اعتراض الفساد، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها، وكلّ ما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب بالخلود، كقولهم للأثافي: خوالد، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها. يقال: خَلَدَ يَخْلُدُ خُلُودا «٤» ، قال تعالى: لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [الشعراء/ ١٢٩] ، والخَلْدُ: اسم للجزء الذي


(١) وهذا من قول عمرو بن عبيد، انظر: جواهر الألفاظ ص ٥. [.....]
(٢) اسمه عبد الله بن أحمد، أبو القاسم البلخي الكعبي، من رؤوس المعتزلة، توفي ٣١٧ هـ، انظر: وفيات الأعيان ٣/ ٤٥.
(٣) البيت في البصائر ٢/ ٥٥٧ ولم ينسبه، وهو لبشار بن برد في أدب الدنيا والدين ص ١٤٦، وتفسير الراغب ورقة ١٧٠.
(٤) انظر: الأفعال ١/ ٤٤٣.

<<  <   >  >>