للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ [الكهف/ ٧٩] ، فإنه جعلهم مساكين بعد ذهاب السّفينة، أو لأنّ سفينتهم غير معتدّ بها في جنب ما كان لهم من المسكنة، وقوله: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ [البقرة/ ٦١] ، فالميم في ذلك زائدة في أصحّ القولين.

[سل]

سَلُّ الشيء من الشيء: نزعه، كسلّ السّيف من الغمد، وسَلُّ الشيء من البيت على سبيل السّرقة، وسَلُّ الولد من الأب، ومنه قيل للولد:

سَلِيلٌ. قال تعالى: يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً

[النور/ ٦٣] ، وقوله تعالى: مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ

[المؤمنون/ ١٢] ، أي: من الصّفو الذي يُسَلُّ من الأرض، وقيل: السُّلَالَةُ كناية عن النطفة تصوّر دونه صفو ما يحصل منه. والسُّلُّ «١» : مرض ينزع به اللّحم والقوّة، وقد أَسَلَّهُ الله، وقوله عليه السلام: «لا إِسْلَالَ ولا إغلال» «٢» . وتَسَلْسَلَ الشيء اضطرب، كأنه تصوّر منه تَسَلُّلٌ متردّد، فردّد لفظه تنبيها على تردّد معناه، ومنه السِّلْسِلَةُ، قال تعالى: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً [الحاقة/ ٣٢] ، وقال تعالى: سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً

[الإنسان/ ٤] ، وقال: وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ [غافر/ ٧١] ، وروي: «يا عجبا لقوم يقادون إلى الجنّة بالسّلاسل» «٣» . وماء سَلْسَلٌ:

متردّد في مقرّه حتى صفا، قال الشاعر:

٢٣٨-

أشهى إليّ من الرّحيق السَّلْسَلِ

«٤» وقوله تعالى: سَلْسَبِيلًا

[الإنسان/ ١٨] ، أي: سهلا لذيذا سلسا حديد الجرية، وقيل: هو اسم عين في الجنّة، وذكر بعضهم أنّ ذلك مركّب من قولهم: سل سبيلا «٥» ، نحو: الحوقلة


(١) يقال: السّلّ والسّلّ والسّلال.
(٢) الحديث أخرجه أبو داود في الجهاد برقم ١٥٦، وأحمد في مسنده ٤/ ٣٢٥ في حديث صلح الحديبية، والسهيلي في الروض الأنف ٤/ ٢٨.
(٣) الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل» أخرجه البخاري في الجهاد ٦/ ١٤٥، وأبو داود (٢٦٧٧) ، وانظر: شرح السنة ١١/ ٧٦.
(٤) هذا عجز بيت، وشطره:
أم لا سبيل إلى الشباب، وذكره
وهو لأبي كبير الهذلي، في شرح أشعار الهذليين ٣/ ١٠٦٩، واللسان (سلسل) ، وتفسير القرطبي ١٩/ ٢٦٣.
(٥) الذي ذكر هذا هو أبو نصر الحدادي السمرقندي في كتابه المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى، وقد طبع بتحقيقنا، فليراجع فيه ما كتبناه على ذلك، وقد نسبه المؤلف فيه لعليّ بن أبي طالب انظر: المدخل ص ١٠٦، وانظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص ٤.
وقال الزمخشري: وقد عزوا إلى علي بن أبي طالب أنّ معناه: سل سبيلا إليها، وهذا غير مستقيم على ظاهره، إلا أن يراد أنّ جملة قول القائل: سل سبيلا جعلت علما للعين، كما قيل تأبط شرا، وهو مع استقامته في العربية تكلّف وابتداع، وعزوه إلى مثل عليّ رضي الله عنه أبدع. راجع: الكشاف ٤/ ١٧٠، وغرائب التفسير ٢/ ١٢٨٩.

<<  <   >  >>