للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [السجدة/ ٦] ، أي:

ما يغيب عن حواسّ الناس وبصائرهم وما يشهدونه بهما. وشَهِدْتُ يقال على ضربين:

أحدهما جار مجرى العلم، وبلفظه تقام الشّهادة، ويقال: أَشْهَدُ بكذا، ولا يرضى من الشّاهد أن يقول: أعلم، بل يحتاج أن يقول:

أشهد. والثاني يجري مجرى القسم، فيقول:

أشهد بالله أنّ زيدا منطلق، فيكون قسما، ومنهم من يقول: إن قال: أشهد، ولم يقل: بالله يكون قسما، ويجري علمت مجراه في القسم، فيجاب بجواب القسم نحو قول الشاعر:

٢٧٤-

ولقد علمت لتأتينّ منيّتي

«١» ويقال: شَاهِدٌ وشَهِيدٌ وشُهَدَاءُ، قال تعالى:

وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ [البقرة/ ٢٨٢] ، قال:

وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ

[البقرة/ ٢٨٢] ، ويقال: شَهِدْتُ كذا، أي: حضرته، وشَهِدْتُ على كذا، قال: شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ

[فصلت/ ٢٠] ، وقد يعبّر بالشهادة عن الحكم نحو: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها

[يوسف/ ٢٦] ، وعن الإقرار نحو: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ [النور/ ٦] ، أن كان ذلك شَهَادَةٌ لنفسه. وقوله وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا [يوسف/ ٨١] أي:

ما أخبرنا، وقال تعالى: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ

[التوبة/ ١٧] ، أي: مقرّين. لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا [فصلت/ ٢١] ، وقوله:

شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ [آل عمران/ ١٨] ، فشهادة الله تعالى بوحدانيّته هي إيجاد ما يدلّ على وحدانيّته في العالم، وفي نفوسنا كما قال الشاعر:

٢٧٥-

ففي كلّ شيء له آية ... تدلّ على أنه واحد

«٢» قال بعض الحكماء: إنّ الله تعالى لمّا شهد لنفسه كان شهادته أن أنطق كلّ شيء كما نطق بالشّهادة له، وشهادة الملائكة بذلك هو إظهارهم أفعالا يؤمرون بها، وهي المدلول عليها بقوله:

فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً [النازعات/ ٥] ، وشهادة أولي العلم: اطّلاعهم على تلك الحكم


(١) الشطر للبيد، من معلقته، وعجزه:
إنّ المنايا لا تطيش سهامها
وهو من شواهد سيبويه ١/ ٤٦٥، ومغني اللبيب ص ٥٢٤، ويروى عجزه:
لا بعدها خوف عليّ ولا عدم
وهو بهذه الرواية لم ينسب، وانظر: خزانة الأدب ٩/ ١٥٩. [.....]
(٢) البيت لأبي العتاهية، وهو في ديوانه ص ٦٢، والزهرة ٢/ ٥٠٢، وهو في البصائر ٣/ ٣٥٢، ونظم الدرر ٤/ ٢٨٩، دون نسبة.

<<  <   >  >>