للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبّر عن الذّات بالوجه في قول الله: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ [الرحمن/ ٢٧] قيل: ذاته. وقيل: أراد بالوجه هاهنا التّوجّه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، وقال:

فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة/ ١١٥] ، كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص/ ٨٨] ، يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ [الروم/ ٣٨] ، إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان/ ٩] قيل: إنّ الوجه في كلّ هذا زائد، ويعنى بذلك: كلّ شيء هالك إلّا هو، وكذا في أخواته. وروي أنه قيل ذلك لأبي عبد الله بن الرّضا «١» ، فقال: سبحان الله! لقد قالوا قولا عظيما، إنما عني الوجه الذي يؤتى منه «٢» ، ومعناه: كلّ شيء من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به الله، وعلى هذا الآيات الأخر، وعلى هذا قوله: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف/ ٢٨] ، تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ [الروم/ ٣٩] ، وقوله: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف/ ٢٩] فقد قيل: أراد به الجارحة، واستعارها كقولك: فعلت كذا بيدي، وقيل: أراد بالإقامة تحرّي الاستقامة، وبالوجه التّوجّه «٣» ، والمعنى: أخلصوا العبادة لله في الصلاة. وعلى هذا النحو قوله تعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ [آل عمران/ ٢٠] ، وقوله: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى [لقمان/ ٢٢] ، وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء/ ١٢٥] ، وقوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً [الروم/ ٣٠] فالوجه في كلّ هذا كما تقدّم، أو على الاستعارة للمذهب والطريق.

وفلان وجه القوم، كقولهم: عينهم ورأسهم ونحو ذلك. وقال: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى [الأعلى/ ١٩- ٢٠] ، وقوله: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ [آل عمران/ ٧٢] أي: صدر النهار. ويقال: واجهت فلانا: جعلت وجهي تلقاء وجهه، ويقال للقصد: وجْهٌ، وللمقصد جهة ووِجْهَةٌ، وهي حيثما نتوجّه للشيء، قال:

لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها

[البقرة/ ١٤٨] إشارة إلى الشّريعة، كقوله: شِرْعَةً [المائدة/ ٤٨] وقال بعضهم: الجاه مقلوب عن الوجه لكن الوجه يقال في العضو والحظوة، والجاه لا يقال إلّا في الحظوة. ووجّهت الشيء: أرسلته في جهة واحدة فتوجّه، وفلان وجِيهٌ: ذو جاه. قال تعالى:

وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ [آل عمران/ ٤٥]


(١) تقدّم ص ٧٥.
(٢) انظر: البصائر ٥/ ١٦٦.
(٣) قال القرطبي: أي: توجهوا إليه في كل صلاة إلى القبلة. تفسير القرطبي ٧/ ١٨٨.

<<  <   >  >>