للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ» تَعْلِيقًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ» «١» .

وَفِي «سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُدِيمُوا النَّظَرَ إِلَى الْمَجْذُومِينَ» «٢» .

وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» «٣» .

وَيُذْكَرُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلِّمِ الْمَجْذُومَ، وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ» «٤» .

الْجُذَامُ: عِلَّةٌ رَدِيئَةٌ تَحْدُثُ مِنَ انْتِشَارِ الْمِرَّةِ السَّوْدَاءِ فِي الْبَدَنِ كُلِّهِ، فَيَفْسُدُ مِزَاجُ الْأَعْضَاءِ وَهَيْئَتُهَا وَشَكْلُهَا، وَرُبَّمَا فَسَدَ فِي آخِرِهِ اتِّصَالُهَا حَتَّى تَتَأَكَّلَ الْأَعْضَاءُ وَتَسْقُطَ وَيُسَمَّى دَاءَ الْأَسَدِ.

وَفِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْأَطِبَّاءِ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا لِكَثْرَةِ مَا تَعْتَرِي الْأَسَدَ.

وَالثَّانِي: لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ تُجَهِّمُ وَجْهَ صَاحِبِهَا وَتَجْعَلُهُ فِي سَحْنَةِ الْأَسَدِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَفْتَرِسُ مَنْ يَقْرَبُهُ، أَوْ يَدْنُو مِنْهُ بِدَائِهِ افْتِرَاسَ الْأَسَدِ.

وَهَذِهِ الْعِلَّةُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ مِنَ الْعِلَلِ الْمُعْدِيَةِ الْمُتَوَارَثَةِ، وَمُقَارِبُ الْمَجْذُومِ، وَصَاحِبِ السُّلِّ يَسْقَمُ بِرَائِحَتِهِ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ عَلَى الْأُمَّةِ، وَنُصْحِهِ لَهُمْ نَهَاهُمْ عَنِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُعَرِّضُهُمْ لِوُصُولِ الْعَيْبِ وَالْفَسَادِ إِلَى أَجْسَامِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْبَدَنِ تَهَيُّؤٌ وَاسْتِعْدَادٌ كَامِنٌ لِقَبُولِ هَذَا الدَّاءِ، وَقَدْ تَكُونُ الطَّبِيعَةُ سَرِيعَةَ الِانْفِعَالِ قَابِلَةً لِلِاكْتِسَابِ مِنْ أَبْدَانِ مَنْ تُجَاوِرُهُ وَتُخَالِطُهُ، فَإِنَّهَا نَقَّالَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ خَوْفُهَا مِنْ ذَلِكَ وَوَهْمُهَا مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ إِصَابَةِ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَهَا، فَإِنَّ الْوَهْمَ فَعَّالٌ مُسْتَوْلٍ عَلَى الْقُوَى وَالطَّبَائِعِ، وَقَدْ تَصِلُ رَائِحَةُ الْعَلِيلِ إِلَى الصَّحِيحِ فَتُسْقِمُهُ، وَهَذَا مُعَايَنٌ فِي بَعْضِ الْأَمْرَاضِ، وَالرَّائِحَةُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْعَدْوَى، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ اسْتِعْدَادِ الْبَدَنِ وَقَبُولِهِ لِذَلِكَ الدَّاءِ، وَقَدْ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً، فَلَمَّا أَرَادَ الدُّخُولَ بِهَا، وَجَدَ بِكَشْحِهَا بَيَاضًا، فَقَالَ: «الحقي بأهلك» «٥» .


(١) أخرجه البخاري في الطب، وأخرجه موصولا أبو نعيم في مستخرجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما
(٢) أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عن ابن عباس
(٣) أخرجه البخاري في الطب، ومسلم في السلام. وأبو داود وابن ماجه وأحمد والبيهقي وابن جرير
(٤) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد، وأخرجه ابن السني وأبو نعيم في الطب وصنعّفه.
(٥) أخرجه الإمام أحمد

<<  <   >  >>