للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله! إن آل حزم كانوا يرون رُقْيَةَ الْحَيَّةِ، فَلَمَّا نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى تَرَكُوهَا، فقال:

«ادعو عمارة بن حزم» ، فَدَعَوْهُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رُقَاهُ، فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهَا» فَأَذِنَ لَهُ فِيهَا فرقاه «١» .

فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رُقْيَةِ الْقَرْحَةِ وَالْجُرْحِ

أَخْرَجَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عائشة قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَكَى الْإِنْسَانُ أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جُرْحٌ، قَالَ بِأُصْبُعِهِ: هَكَذَا وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ رَفَعَهَا، وَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا» «١» .

هَذَا مِنَ الْعِلَاجِ الْمُيَسَّرِ النَّافِعِ الْمُرَكَّبِ، وَهِيَ مُعَالَجَةٌ لَطِيفَةٌ يُعَالَجُ بِهَا الْقُرُوحُ وَالْجِرَاحَاتُ الطَّرِيَّةُ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهَا مِنَ الْأَدْوِيَةِ إِذْ كَانَتْ مَوْجُودَةً بِكُلِّ أَرْضٍ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ طَبِيعَةَ التُّرَابِ الْخَالِصِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ مُجَفَّفَةٌ لِرُطُوبَاتِ الْقُرُوحِ وَالْجِرَاحَاتِ الَّتِي تَمْنَعُ الطَّبِيعَةُ مِنْ جَوْدَةِ فِعْلِهَا، وَسُرْعَةِ انْدِمَالِهَا، لَا سِيَّمَا فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ، وَأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْحَارَّةِ، فَإِنَّ الْقُرُوحَ وَالْجِرَاحَاتِ يَتْبَعُهَا فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ سُوءُ مِزَاجٍ حَارٍّ، فَيَجْتَمِعُ حَرَارَةُ الْبَلَدِ وَالْمِزَاجُ وَالْجِرَاحُ، وَطَبِيعَةُ التُّرَابِ الْخَالِصِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ أَشَدُّ مِنْ بُرُودَةِ جَمِيعِ الْأَدْوِيَةِ الْمُفْرَدَةِ الْبَارِدَةِ، فَتُقَابِلُ بُرُودَةُ التُّرَابِ حَرَارَةَ الْمَرَضِ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ التُّرَابُ قَدْ غُسِلَ وَجُفِّفَ، وَيَتْبَعُهَا أَيْضًا كَثْرَةُ الرُّطُوبَاتِ الرَّدِيئَةِ، وَالسَّيَلَانُ، وَالتُّرَابُ مُجَفِّفٌ لَهَا، مُزِيلٌ لِشِدَّةِ يُبْسِهِ وَتَجْفِيفِهِ لِلرُّطُوبَةِ الرَّدِيئَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ بَرْئِهَا، وَيَحْصُلُ بِهِ- مَعَ ذَلِكَ- تَعْدِيلُ مِزَاجِ الْعُضْوِ الْعَلِيلِ، وَمَتَى اعْتَدَلَ مِزَاجُ الْعُضْوِ قَوِيَتْ قُوَاهُ الْمُدَبِّرَةُ، وَدَفَعَتْ عَنْهُ الألم بإذن الله.


(١) ذكره الحافظ في الإصابة، ورواه البخاري في «التاريخ الصغير» باسناد جيد، وأخرجه مسلم في صحيحه. أخرجه البخاري في الطب، ومسلم في السلام، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد. قال بأصبعه: العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال.

<<  <   >  >>