للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَحْدَثَ السَّيَلَانَ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إِلَى مَنَازِلِ الدِّمَاغِ أَحْدَثَ النِّسْيَانَ، وَإِنْ تَرَطَّبَتْ أَوْعِيَةُ الدِّمَاغِ مِنْهُ، وَامْتَلَأَتْ بِهِ عُرُوقُهُ أَحْدَثَ النَّوْمَ الشَّدِيدَ، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّوْمُ رَطْبًا، وَالسَّهَرُ يَابِسًا. وَإِنْ طَلَبَ الْبُخَارُ النُّفُوذَ مِنَ الرَّأْسِ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، أَعْقَبَهُ الصُّدَاعُ وَالسَّهَرُ، وَإِنْ مَالَ الْبُخَارُ إِلَى أَحَدِ شِقَّيِ الرَّأْسِ، أَعْقَبَهُ الشَّقِيقَةُ، وَإِنْ مَلَكَ قِمَّةَ الرَّأْسِ وَوَسَطَ الْهَامَةِ، أَعْقَبَهُ دَاءُ الْبَيْضَةِ، وَإِنْ بَرُدَ مِنْهُ حِجَابُ الدِّمَاغِ، أَوْ سَخُنَ، أَوْ تَرَطَّبَ وَهَاجَتْ مِنْهُ أَرْيَاحٌ، أَحْدَثَ الْعُطَاسَ، وَإِنْ أَهَاجَ الرُّطُوبَةَ الْبَلْغَمِيَّةَ فِيهِ حَتَّى غَلَبَ الْحَارُّ الْغَرِيزِيُّ، أَحْدَثَ الْإِغْمَاءَ وَالسُّكَاتَ، وَإِنْ أَهَاجَ الْمِرَّةَ السَّوْدَاءَ حَتَّى أَظْلَمَ هَوَاءُ الدِّمَاغِ، أَحْدَثَ الْوَسْوَاسَ، وَإِنْ فَاضَ ذَلِكَ إِلَى مَجَارِي الْعَصَبِ، أَحْدَثَ الصَّرَعَ الطَّبِيعِيَّ، وَإِنْ تَرَطَّبَتْ مَجَامِعُ عَصَبِ الرَّأْسِ وَفَاضَ ذَلِكَ فِي مَجَارِيهِ، أَعْقَبَهُ الْفَالِجُ، وَإِنْ كَانَ الْبُخَارُ مِنْ مِرَّةٍ صَفْرَاءَ مُلْتَهِبَةٍ مَحْمِيَّةٍ لِلدِّمَاغِ، أَحْدَثَ الْبِرْسَامَ، فَإِنْ شَرِكَهُ الصَّدْرُ فِي ذَلِكَ، كَانَ سِرْسَامًا، فَافْهَمْ هَذَا الْفَصْلَ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ أَخْلَاطَ الْبَدَنِ وَالرَّأْسِ تَكُونُ مُتَحَرِّكَةً هَائِجَةً فِي حَالِ الرَّمَدِ، وَالْجِمَاعُ مِمَّا يَزِيدُ حَرَكَتَهَا وَثَوَرَانَهَا، فَإِنَّهُ حَرَكَةٌ كُلِّيَّةٌ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ وَالطَّبِيعَةِ. فَأَمَّا الْبَدَنُ، فَيَسْخُنُ بِالْحَرَكَةِ لَا مَحَالَةَ، وَالنَّفْسُ تَشْتَدُّ حَرَكَتُهَا طَلَبًا لِلَّذَّةِ وَاسْتِكْمَالِهَا، وَالرُّوحُ تَتَحَرَّكُ تَبَعًا لِحَرَكَةِ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ، فَإِنَّ أَوَّلَ تَعَلُّقِ الرُّوحِ مِنَ الْبَدَنِ بِالْقَلْبِ، وَمِنْهُ يَنْشَأُ الرُّوحُ، وَتَنْبَثُّ فِي الْأَعْضَاءِ. وَأَمَّا حَرَكَةُ الطَّبِيعَةِ، فَلِأَجْلِ أَنْ تُرْسِلَ مَا يَجِبُ إِرْسَالُهُ مِنَ الْمَنِيِّ عَلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي يَجِبُ إِرْسَالُهُ.

وَبِالْجُمْلَةِ: فالجماع حركة كلية عامة يتحرك فها الْبَدَنُ وَقُوَاهُ، وَطَبِيعَتُهُ وَأَخْلَاطُهُ، وَالرُّوحُ وَالنَّفْسُ، فَكُلُّ حَرَكَةٍ فَهِيَ مُثِيرَةٌ لِلْأَخْلَاطِ مُرَقِّقَةٌ لَهَا تُوجِبُ دَفْعَهَا وَسَيَلَانَهَا إِلَى الْأَعْضَاءِ الضَّعِيفَةِ، وَالْعَيْنُ فِي حَالِ رَمَدِهَا أَضْعَفُ مَا تَكُونُ، فَأَضَرَّ مَا عَلَيْهَا حَرَكَةُ الْجِمَاعِ.

قَالَ بقراط فِي كِتَابِ «الْفُصُولِ» : وَقَدْ يَدُلُّ رُكُوبُ السُّفُنِ أَنَّ الْحَرَكَةَ تُثَوِّرُ الْأَبْدَانَ. هَذَا مَعَ أَنَّ فِي الرَّمَدِ مَنَافِعَ كَثِيرَةً، مِنْهَا مَا يَسْتَدْعِيهِ مِنَ الْحِمْيَةِ وَالِاسْتِفْرَاغِ، وَتَنْقِيَةِ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ مِنْ فَضَلَاتِهِمَا وَعُفُونَاتِهِمَا، وَالْكَفُّ عَمَّا يُؤْذِي النَّفْسَ وَالْبَدَنَ مِنَ الْغَضَبِ، وَالْهَمِّ وَالْحُزْنِ، وَالْحَرَكَاتِ الْعَنِيفَةِ، وَالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ. وَفِي أَثَرٍ سَلَفِيٍّ: لَا تَكْرَهُوا الرَّمَدَ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عروق العمى.

وَمِنْ أَسْبَابِ عِلَاجِهِ مُلَازَمَةُ السُّكُونِ وَالرَّاحَةِ، وَتَرْكُ مَسَّ الْعَيْنِ وَالِاشْتِغَالُ

<<  <   >  >>