للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا وَاللَّهِ، إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ ظاهر الوضاءة متبلج الوجه من أَشْفَارِهِ وَطَفٌ [١] ، وَفِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ [٢] ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ [٣] ، غُصْنٌ بَيْنَ الْغُصْنَيْنِ، لا تَشْنَأُهُ مِنْ طُولٍ، وَلا تْقَتَحِمُهُ مِنْ قِصَرٍ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ [٤] ، وَلَمْ تُزْرِهِ صَعْلَةٌ [٥] كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، إِذَا صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْبَهَاءُ، وَإِذَا نَطَقَ فَعَلَيْهِ وَقَارٌ، لَهُ كَلامٌ كَخَرَّزَاتِ النَّظْمِ، أَزْيَنُ أَصْحَابِهِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ وَجْهًا، أَصْحَابُهُ يَحُفُّونَ بِهِ، إذا أمر ابتدروا أمره، وإذا نهى ايتفقوا [٦] عِنْدَ نِهَايَتِهِ، قَالَ: هَذِهِ وَاللَّهِ صِفَةُ صَاحِبِ قُرَيْشٍ، وَلَوْ رَأَيْتُهُ لاتَّبَعْتُهُ وَلأَجْتَهِدَنَّ أَنْ أَفْعَلَ. قال فلم يعلموا بمكة أن توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى سَمِعُوا هَاتِفًا عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ وَهُوَ يَقُولُ:

جَزَى اللَّهُ خَيْرًا وَالْجَزَاءُ بِكَفِّهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ [٧]

هُمَا رَحَلا بِالْحَقِّ وَانْتَزَلا بِهِ ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ [٨]

فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ محمد

وأكسى لبرد الحال قبل ابتداله ... وأعطى برأس السابح المنجرد [٩]

ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد


[ (١) ] أي كثير شعر الحاجبين والأهداب مع استرخاء وطول.
[ (٢) ] يقال: دعجت العين دعجا ودعجة أي اشتد سوادها، وبياضها واتسعت.
[ (٣) ] أي بحة.
[ (٤) ] يقال: ثجل ثجلا أي عظم بطنه واسترخى.
[ (٥) ] يقال: صعل صعلا أي كان دقيق الرأس والعنق، فهو أصعل وهي صعلاء، وجمعها: صعل.
[ (٦) ] كذا الأصل.
[ (٧) ] وعند الحاكم:
جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حلا خيمتي أم معبد
[ (٨) ] وعند الحاكم:
هما نزلا بالهدى واهتدت به ... فقد أمسى من كان رفيق محمد
[ (٩) ] وعند الحاكم:
فيا لقصي مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمْ ... بِهِ مِنْ فِعَالٍ لا تجازي وسؤدد
وليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإناثها ... فَإِنَّكُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... عَلَيْهِ صَرِيحًا ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ
فغادرها رهنا لديها لحالب ... يرددها في مصدر بعد مورد

<<  <  ج: ص:  >  >>