للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَبْرًا، وَهُوَ وَالِدُ عَائِشَةَ أُمِّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الأُسْدِ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ هَمُّوا بِالرَّجْعَةِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَوَّمْتُ لَهُمْ حِجَارَةً، لَوْ صَبَحُوا بِهَا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذَّاهِبِ» .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ إِنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَتَلَا مُعَاوِيَةَ بْنَ المغيرة بعد حمراء الأسد، كان لَجَأَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه، على أنه إن وُجِدَ بَعْدَ ثَلاثٍ قُتِلَ، فَأَقَامَ بَعْدَ ثَلاثٍ وَتَوَارَى، فَبَعَثَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:

«إِنَّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدَاهُ فَقَتَلاهُ.

وَقَالَ ابْنُ سَعْد: وَدَعَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِوَائِهِ وَهُوَ مَعْقُودٌ لَمْ يُحَلَّ، فَدَفَعَهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ: إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَخَرَجَ وَهُوَ مَجْرُوحٌ فِي وَجْهِهِ، وَمَشْجُوجٌ فِي جَبْهَتِهِ، وَرَبَاعِيَتُهُ قَدْ شظيت [١] وَشَفَتُهُ السُّفْلَى قَدْ كُلِمَتْ فِي بَاطِنِهَا، وَهُوَ مُتَوَهِّنٌ مِنَكَبِهِ، يَعْنِي الأَيْمَنَ، من ضربة ابن قمئة، وركبتاه مجحوشتان وحشد أَهْلَ الْعَوَالِي، وَنَزَلُوا حَيْثُ أَتَاهُمُ الصَّرِيخُ، وَرَكِبَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسَهُ، وَخَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ، فَبَعَثَ ثَلاثَةَ نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ طَلِيعَة فِي آثَارِ الْقَوْمِ، فَلَحِقَ اثْنَانِ مِنْهُمُ الْقَوْم بِحَمْرَاءِ الأُسْدِ، قَالَ: وَلِلْقَوْمِ زَجْلٌ وَهُمْ يَأْتَمِرُونَ بِالرُّجُوعِ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَبَصَرُوا بِالرَّجُلَيْنِ، فَعَطَفُوا عَلَيْهِمَا فَقَتَلُوهُمَا، وَمَضَوْا وَمَضَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى عَسْكَرُوا بِحَمْرَاءِ الأُسْدِ، وَكَانَ المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نَارٍ حَتَّى تَرَى مِنَ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ. وَذَهَبَ صوت معسكرهم وَنِيرَانِهِمْ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَكَبَتَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ عَدُوَّهُمْ. وَكَانَ دَلِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَمْرَاءِ الأُسْدِ ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَلَيْسَ بِأَخِي أبي جبيرة ابن الضَّحَّاكِ، ذَاكَ، أَوْسِيٌّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَلَهُ حَدِيثٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُزَارَعَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ [٢] ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لثابت هذا وليس بشيء.


[ (١) ] أي كسرت.
[ (٢) ] أنظر صحيح مسلم كتاب البيوع باب في المزارعة والمؤاجرة (٣/ ١١٨٣) رقم ١٥٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>