للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظل شجرة قريبا منه، فنطر إِلَى الْغَمَامَةِ حَتَّى أَظَلَّتِ الشَّجَرَةَ وَتَهَصَّرَتْ [١] أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ بحيرى نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَقَدْ أَمَرَ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَصُنِعَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: أَنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَأُحِبُّ أَنْ تَحْضُرُوا كُلُّكُمْ، صَغِيرُكُمْ وَكَبِيرُكُمْ، وَعَبِيدُكُمْ وَحُرُّكُمْ، فَقَالَ له رجل منهم: والله يا بحيري إِنَّ بِكَ الْيَوْمَ لَشَأْنًا، مَا كُنْتَ تَصْنَعَ هَذَا بِنَا وَقَدْ كُنَّا نَمُرُّ بِكَ كَثِيرًا، ما شأنك اليوم؟ قال له بحيرى: صَدَقْتَ، قَدْ كَانَ مَا تَقُولُ، وَلَكِنَّكُمْ ضَيْفٌ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ وَأَصْنَعَ لَكُمْ طَعَامًا فَتَأْكُلُوا مِنْهُ كُلُّكُمْ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ فِي رِحَالِ الْقَوْمِ، فَلَمَّا نزل بحيرى فِي الْقَوْمِ لَمْ يَرَ الصِّفَةَ الَّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ،: لا يَتَخَلَّفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ طَعَامِي! قَالُوا لَهُ: يا بحيري مَا تَخَلَّفَ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَكَ إِلَّا غُلامٌ، وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، فَتَخَلَّفَ فِي رِحَالِهِمْ، قَالَ: لا تَفْعَلُوا، ادْعُوهُ فَلْيَحْضُرْ هَذَا الطَّعَامَ مَعَكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِنْ كَانَ لَلُؤْمًا بِنَا أَنْ يَتَخَلَّفَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ طَعَامٍ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فاحتضنه وأجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرى جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا وَيَنْظُرُ إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ جَسَدِهِ قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ طَعَامِهِمْ وتفرقوا

قام إليه بحيرى فَقَالَ لَهُ: يَا غُلامُ! أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأُلَكَ عَنْهُ- وإنما قال له بحيرى ذَلِكَ لأَنَّهُ سَمِعَ قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ بِهِمَا- فَزَعَمُوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لا تَسْأَلْنِي بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى شَيْئًا، فَوَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطُّ بُغْضَهُمَا، فَقَالَ لَهُ بحيرى: فَبِاللَّهِ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ،

فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ مِنْ نَوْمِهِ وَهَيْئَتِهِ وَأُمُورِهِ وَيُخْبِرُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، فيوافق ذلك ما عند بحيرى مِنْ صِفَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى ظَهْرِهِ فَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى مَوْضِعِهِ مِنْ صِفَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: مَا هَذَا الْغُلامُ مِنْكَ؟ قَالَ: ابْنِي، قَالَ: مَا هُوَ بِابْنِكَ، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا، قَالَ: فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي، قَالَ: فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ: مَاتَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، فَارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إِلَى بَلَدِهِ، وَاحْذَرْ عَلَيْهِ يَهُودَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ لَيَبْغُنَّهُ شَرًّا، فَإِنَّهُ كَائِنٌ


[ (١) ] أي مالت وتدلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>