للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَلْفِهِ أَنْ قُومِي فَكَلِّمِيهِ، قَالَتْ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد فَعَلْتُ، فَلا تَعْجِلِي بِخُروجٍ حَتَّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِكَ مَنْ يَكُونُ لَكِ ثِقَةً حَتَّى يُبَلِّغَكِ إِلَى بِلادِكِ، ثُمَّ آذِنِينِي» .

فَسَأَلَتْ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي أَشَارَ إِلَى أَنْ كَلِّمِيهِ [١] ، فَقِيلَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَأَقَمْتُ حَتَّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بِلًى أَوْ قُضَاعَةَ، قَالَتْ: وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشَّامِ، قَالَتْ: فَجِئْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِي لِي فِيهِمْ ثِقَةٌ وَبَلاغٌ، قَالَتْ: فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمَلَنِي وَأَعْطَانِي نَفَقَةً، فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، قال عدي: فوالله إن لَقَاعِدٌ فِي أَهْلِي، إِذْ نَظَرْتُ إِلَى ظَعِينَةٍ تُصَوِّبُ إِلَيَّ تُؤْمِنَّا، قَالَ: فَقُلْتُ: ابْنَةُ حَاتِمٍ؟ قَالَ: فَإِذَا هِيَ هِيَ، فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيَّ انسحلت تَقُولُ: الْقَاطِعُ الظَّالِمُ، احْتَمَلْتَ بِأَهْلِكَ وَوَلَدِكَ وَتَرَكْتَ بَقِيَّةَ وَالِدَيْكَ عَوْرَتَكَ، قَالَ: قُلْتُ: أَيْ أُخَيَّةُ، لا تَقُولِي إِلا خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَالِي مِنْ عُذْرٍ، لَقَدْ صَنَعْتُ مَا ذَكَرْتِ، قَالَ: ثُمَّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي، فَقُلْتُ لَهَا: وَكَانَتِ امْرَأَةً حَازِمَةً:

مَاذَا تَرَيْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالَتْ: أَرَى وَاللَّهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا، فإن يكن الرجل نبيا ع فَلَلسَّابِقُ إِلَيْهِ فَضْلُهُ، وَإِنْ يَكُ مَلِكًا فَلَنْ تَذِلَّ فِي عِزِّ الْيُمْنِ وَأَنْتَ أَنْتَ، قَالَ:

قلت: والله إن هذا للرأي،

قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنِ الرَّجُلُ» ؟ فَقُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وَانْطَلَقَ بِي إِلَى بَيْتِهِ، فَوَاللَّهِ أَنَّهُ لَعَامِدٌ بِي إِلَيْهِ، إِذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ فَاسْتَوْقَفَتْهُ، فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلا تُكَلِّمُهُ فِي حَاجَتِهَا، قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ مَا هَذَا بِمَلِكٍ، قَالَ:

ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ تناول وسادة من أدم محشوة ليفا، فقذفها إِلَيَّ فَقَالَ: «اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ» قَالَ: فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا، قَالَ: «بَلْ أَنْتَ» ، فَجَلَسْتُ عَلَيْهَا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَرْضِ، قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ مَا هَذَا بِأَمْرِ مَلِكٍ، ثُمَّ قَالَ: «إِيهْ يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ، أَلَمْ تَكُ ركوسيا» [٢] قال: قلت: بلى قال:

«أو لم تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِكَ بِالْمِرْبَاعِ» ؟ قَالَ: قُلْتُ بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ» قَالَ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ، قال: وعرفت أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، يَعْلَمُ مَا يُجْهَلُ، ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّكَ يَا عَدِيُّ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنَ الدُّخُولِ فِي هَذَا الدِّينِ مَا تَرَى مِنْ حاجتهم،


[ (١) ] وعند ابن هشام: أن أكلمه.
[ (٢) ] وهم قوم لهم دين بين النصرانية والصابئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>