للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمحرم، وصفرا، وجمادى الآخرة، فلما كان في رجب من سنة تسع من الهجرة، أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزو الروم.

وكان عام تسعة هذا عام قحط وجدب ومحل، وحر شديد حيث طاب أول الثمر. وكان عليه الصلاة والسلام يورّي «١» بكل غزوة غزا ما خلا غزوة تبوك هذه فإنه تكلم في أمرها تفصيلا وتبيينا، وذلك لمشقة الأحوال فيها، وبعد الشقة وقوة عارضة العدو الشرس.

وكان الجد بن قيس أخا بني سلمة استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التأخر- وكان متهما- وهو غني شديد قوي، فإذن له عليه الصلاة والسلام، ثم أعرض عنه.

وفيه نزل قوله تعالى:

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا «٢» .

وفي هذه الظروف العسرة التي أحدقت بجيش المسلمين وألحقت العنت بهم، وأنحت عليهم حتى إن كثيرا منهم نفقوا واحتسبوا أنفسهم عند الله تعالى، وكان أصاب المسلمين عطش شديد وأوام قاتل.

وحث سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم الموسرين على الخير وتجهيز المعسرين، فكان عثمان ذو النورين سباقا إلى الخير حتى أنه أنفق عشرة آلاف دينار، وقدّم ثلاثمائة بعير، بأحلاسها وأقتابها «٣» ، وخمسين فرسا.


(١) - يوري: لا يتكلم فيها صراحة، وإنما بأسلوب التوراة وقد ذكر مسلم في الصحيح (٢٧٦٩) «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قلما يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت هذه الغزوة» ، وكان ذلك يقصد التعمية على العدو.
(٢) - التوبة (٩/ ٤٩) راجع أسباب النزول للواحدي بتحقيق السيد الجميلي ص ٢٠٢، ٢٠٣ وأسباب النزول للسيوطي ص ١٤٠، ١٤١. وفيهما أن هذه الآية نزلت في جد بن قيس المنافق.
(٣) - الأحلاس: جمع حلس، وهو الكساء على ظهر البعير، والأقتاب: جمع قتب، وهو رحل على قدر سنام البيعر.

<<  <   >  >>