للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى وقع على شقه، وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها المسلمين، فأخذ عليّ بيده، واحتضنه طلحة بن عبيد الله، وكان الذي تولى أذاه صلى الله عليه وسلم عمرو بن قمئة، وعتبة بن أبي وقّاص. وقيل إن عبد الله بن شهاب الزهيري عم محمد بن مسلم ابن شهاب الزهيري هو الذي شجّه.

وقتل مصعب بن عمير بين يديه، فدفع اللواء لعلي بن أبي طالب، ونشبت خلقتان من خلق المغفر في وجهه فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح، وعضّ عليهما حتى سقطت ثنيتاه من شدة غوصهما في وجهه، وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته، وأدرك المشركون يريدون ما الله حائل بينهم وبينه، فحال دونه نفر من المسلمين نحو عشرة حتى قتلوا، ثم جادلهم طلحة حتى أجهضهم عنه، وترّس أبو دجانة عليه بظهره والنبل يقع فيه، وهو لا يتحرك وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردها عليه بيده، وكانت أصح عينيه وأحسنها، وصرخ الشيطان بأعلى صوته: إن محمدا قتل ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين، وفرّ أكثرهم، وكان أمر الله قدرا مقدورا.

ومرّ أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم فقال: ما تنتظرون؟، فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم استقبل الناس، ولقي سعد بن معاذ فقال: يا سعد، إني لأجد ريح الجنة من دون أحد، فقاتل حتى قتل، ووجد به سبعون ضربة «١» ، وقد جرح عبد الرحمن بن عوف «٢» نحوا من عشرين جراحة.

أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين، وكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك، فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم،


(١) - أنظر زاد المعاد لابن قيم الجوزية (٣/ ١٩٨) .
(٢) - راجع ترجمة عبد الرحمن بن عوف في: حلية الأولياء (١/ ٩٨) والإصابة ت (٥١٧١) وصفة الصفوة لابن الجوزي (١/ ١٣٥) .

<<  <   >  >>