للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقبة (موضع بين منى ومكة منها ترمى جمرة العقبة) لقي رهطا «٣٢» من الخزرج أراد الله بهم الخير، فسألهم: «من أنتم؟» .

قالوا: نفر من الخزرج.

قال: أمن موالي يهود؟

قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟

قالوا: بلى. فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن.

وكان مما مهّد أفئدتهم لقبول الإسلام، أن اليهود كانوا معهم في بلادهم، ومعلوم أنهم أهل كتاب وعلم، فكان إذا وقع بينهم وبين اليهود نفرة أو قتال، قال لهم اليهود: إن نبيّا مبعوث الآن قد أطلّ زمانه، سنتّبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم!.

فلما كلّم الرسول هؤلاء النفر، ودعاهم إلى الإسلام، نظر بعضهم لبعض وقالوا:

«تعلمون والله إنه للنّبي الذي توعّدكم به يهود، فلا يسبقنّكم إليه» .

فأجابوه إلى ما دعاهم إليه من الإسلام، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشرّ ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك. ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك.

ثم انصرفوا ووعدوه المقابلة في الموسم المقبل» «٣٣» .

[بيعة العقبة الأولى]

وانتشر الإسلام خلال تلك السّنة في المدينة، ولما كان العام الذي يليه، وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا، فلقوه بالعقبة، وهي العقبة الأولى، فبايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بيعة النساء (أي على نمطها في البنود التي بايع النساء عليها، أي إنه لم يبايعهم فيها على الحرب والجهاد، وكانت بيعة النساء ثاني يوم الفتح على جبل الصفا بعد ما فرغ من بيعة الرجال) وكان منهم: أسعد بن زرارة، ورافع بن مالك، وعبادة بن الصامت، وأبو الهيثم ابن التيهان.

وقد روى عبادة بن الصامت خبر هذه المبايعة، فقال: كنا اثني عشر رجلا، فقال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن


(٣٢) كانوا ستة وهم: أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله.
(٣٣) رواه ابن إسحاق عن عاصم بن عمر عن أشياخ من قومه، وانظر سيرة ابن هشام: ١/ ٤٢٨

<<  <   >  >>